على الرغم من التحركات في الشارع، فإن الأوضاع الأمنية لا تبدو أنها تتجه الى تصعيد داخلي عنيف. ولا يبشر الوضع بما يشبه 7 أيار جديد، لا حاضراً ولا مستقبلاً، لعجز حزب الله العسكري بفعل الحملة التدميرية التي شنتها اسرائيل على قدراته العسكرية وحاجة الحزب الى عناصر جديدة تكون فاعلة على الأرض بعد النقص الكبير في أعداد مقاتليه الملتزمين كليا في صفوفه.
السيادة على مطار بيروت اليوم هي للجيش اللبناني، وللقرار السياسي الحكومي. ولكنها تدخل أيضاً في صلب اتفاق وقف إطلاق النار الذي وقع عليه "حزب الله" مع الحكومة الاسرائيلية.
إشكالات قراءة وتفسير اتفاق وقف إطلاق النار كثيرة. وقد تؤدي الى الانزلاق، والى عودة الحرب مجدداً، وهذا اللغم هو أول الألغام الكبرى التي تواجه عهد الرئيس جوزاف عون وحكومة الرئيس نواف سلام.
يشعر "حزب الله" بالاختناق، وبالمحاولات "الأميركية" لخنقه، وبالتالي. وليس مستغرباً ما يقوم به "حزب الله"، مباشرة أو عبر جمهوره، في محيط مطار بيروت، الذي وصل الى اعتداء، على عناصر من "اليونيفيل" هذا الاعتداء، الذي استنكرته الرئاسات والمراجع والأحزاب اللبنانية، وصولاً الى استنكار "حركة أمل".
إن مطار بيروت هو متنفس "حزب الله" الوحيد بعد قطع أوصال التواصل بينه وبين إيران، ومع سقوط سوريا الأسد، ومع فقدان سبل التواصل واللوجستية البرية مع الحرس الثوري، ومع شبه استحالة التواصل البحري معهم.
يحتاج "حزب الله" الى مطار بيروت. وتهدد اسرائيل مطار بيروت، على الرغم من أنها لم تتعرض له في الحرب الأخيرة، بسبب الرعاية الأميركية والدولية له.
تتهم اسرائيل من جهتها "حزب الله" بعدم تطبيق الاتفاق، وبالبقاء جنوب الليطاني، وباحتفاظه بأسلحته وبعناصره المقاتلة فيه. وهي لا تأبه بالتالي لا برأي لجنة الرقابة التي يرأسها الأميركيون، ولا برأي الفرنسيين الذين يشددون على ضرورة انسحاب اسرائيل الكامل تطبيقاً للقرار 1701، ومع ذلك، فإن المساعي اللبنانية الرسمية تعمل جاهدة لإقناع الولايات المتحدة وفرنسا للضغط على اسرائيل، لانجاز الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية.
إيران من جهتها، لن تتدخل، سوى بالضغط غير المباشر. أما المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس، فستتحدث قريباً بصراحتها "المؤلمة" عن الرأي الأميركي في ما يجري في لبنان، مع التهديدات المرفقة ربطاً.
يحاول الجيش اللبناني الحفاظ على الأمن، من دون التدخل في القرار السياسي. ويحاول القرار السياسي التوفيق بين الأمن في لبنان وبين الضغوط الأميركية، ولكن "الأمن الإسرائيلي" يترك كل الاحتمالات… الأمنية… مفتوحة!
علاقة الحركة بالحزب
لطالما شكّلت الثنائية الشيعية بين حركة أمل وحزب الله توازنًا داخليًا ضمن الطائفة الشيعية في لبنان، لكن التطورات الأخيرة، أثارت تساؤلات حول تماسك هذه الثنائية وإمكانية حدوث انقسام داخل البيئة الشيعية.
بدأت علامات التباعد بين الطرفين تتضح من خلال عدة نقاط اهمها
التباين في الرؤية السياسية والميدانية من خلال الشعارات الكبيرة التي رفعها حزب الله، مثل "طريق القدس" ومحاربة إسرائيل، باتت محل سخرية بين جمهور حركة أمل، الذين يحملون الحزب مسؤولية الدمار الواسع والخراب الذي لحق بالبيئة الشيعية نتيجة الحرب الأخيرة.
يرى جزء من جمهور أمل أن الرئيس نبيه بري هو من أنقذ الوضع عبر تسوية أنهت الحرب، وأن حكمته وعلاقاته الواسعة، إضافة إلى التفويض المطلق الذي حصل عليه من الحزب، هي التي سمحت بإيجاد مخرج للأزمة.
اليوم، يتزعم بري مسار التهدئة في لبنان، وهو يراهن على أن يختم مسيرته السياسية بإنجاز وطني يترك بصمته في الجنوب اللبناني عبر مشاريع إعادة الإعمار والتنمية.
بيان الحركة حول ما يجري على طريق المطار اشار بوضوح الى رفض القيادة لما يجري هناك فزعيم الحركة يريد تطبيق اتفاق وقف النار بتفاصيله.
اليوم لا يمكن الحديث عن انقسام شيعي، لكن هناك تباين واضح في الأولويات، فالحزب يواصل رهانه على المعادلة العسكرية والمواجهة مع إسرائيل، أما الحركة فتسعى إلى التهدئة وإعادة الإعمار، بعيدًا عن أي تصعيد عسكري جديد.
يبدو أن ما يحدث هو خلاف تكتيكي وليس انهيارًا نهائيًا، حيث يحتاج الشيعة في لبنان إلى مسار مزدوج بين المواجهة العسكرية والاستقرار السياسي.
لكن إذا استمر التصعيد الأمني والسياسي، فقد يدخل تحالف الحزب وأمل في مرحلة اهتزاز غير مسبوقة، ما قد يفتح الباب أمام تغييرات جوهرية في التمثيل الشيعي في لبنان.