تذكر مستكشفة بريطانية، تخوض مغامرة فريدة من نوعها في السعودية حاليا، أنها كانت طفلة عمرها 11 عاماً، حين أهداها والدها كتاب Arabian Sands أو "الرمال العربية" الذي ألفه الرحالة البريطاني Wilfred Thesiger المعروف باسم "مبارك بن لندن" الراحل في 2003 بعمر 93 عاما.
قرأته، وشعرت من قصة عبوره الربع الخالي على ظهر جمل مع رفاقه من البدو، برغبة في أن تصبح أول من يعبر من أقصى شمال المملكة العربية السعودية إلى جنوبها سيرا على الأقدام، وهو ما تقوم به الآن Alice Morrison البالغة 61 عاما، بعد أن مرت 50 سنة على قراءتها للكتاب.
والرحلة من مرحلتين: الأولى، قطع 925 كيلومترا من منفذ "حالة عمار" السعودي على الحدود مع الأردن إلى منطقة المدينة المنورة، أكملتها يوم الجمعة الماضي. أما الثانية، فبطول 1500 كيلومتر إلى الحدود مع اليمن، وتبدأها حين يبرد الطقس في أكتوبر المقبل، وفقا لما تلخص "العربية.نت" تقريرا مطولا كتبته عن رحلتها بصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية الأحد، وقالت فيه إن القيام بهذا النوع من الرحلات، أصبح ممكنا الآن بعد أن فتحت السعودية أبوابها للسياحة.
ومع أن الأمور تبدو أسهل لموريسون حاليا عما كانت زمن مؤلف الكتاب الذي ألهمها للقيام بالرحلة، باعتبار أن لديها دعماً من سيارة ترافقها، وهاتف محمول وخرائط غوغل، وفريق دعم لوجستي من شركة سعودية وجدتها على الإنترنت، هي Mallah al-Doroub الناشطة بحقل الرحلات والمغامرات، إلا أنها لا تمضي في رحلتها على ظهر جمل كما فعل حين عبر الربع الخالي مرتين في أربعينات القرن الماضي، بل تمضي سيرا على الأقدام، وتقطع مسافة أطول 3 مرات من التي قطعها مؤلف الكتاب.
وبدأت الرحلة من الحدود مع الأردن "حيث خيّمنا في مزرعة بجوار حصن عثماني قديم ومحطة من خط السكة الحديدية الحجازي السابق، والذي امتد بعد بنائه عام 1900 من دمشق إلى المدينة المنورة عبر الأردن ومنطقة الحجاز.. كنا نخطط للتخييم في الصحراء، ولكن عندما سمع المزارع "أبو صقر" بما كنا نفعله صاح: "ما شاء الله، سأذبح شاة لكم" ففعل ودعانا بلهفة للبقاء معه، وهذه كانت أول تجربة لي مع الضيافة السعودية.. كانت ممتعة جدا" وفق تعبيرها.
وتابعت: "جلسنا على الأرض لتناول الطعام. كنت المرأة الوحيدة، لذلك سألت الرجال عما إذا كانوا يمانعون بأن أتناول الطعام معهم، فدعوني جميعا بأدب، ثم تم تقديم الطعام لنأكل باليد اليمنى. وكان لحم الضأن ساخنًا للغاية، فلاحظ أبو صقر أني أعاني، لذلك أسرع ومزق شرائح صغيرة، دفعها فوق حصتي من الأرز. مررنا في تبوك بحقول بركانية سوداء في الحرات، وهي منطقة صحراوية تمتد على مساحات شاسعة من البلاد، كما هي موطن لكثير من الحيوانات البرية ويكاد يكون من المستحيل عبورها بسبب الأنقاض البركانية تحت الأقدام. عليك أن تلتزم بالطرق أو المسارات. ضربنا الخيام وخيّمنا في مجاري الأنهار المليئة بأشجار السنط. كان ذلك في أوائل يناير الماضي، وكان الجو باردًا إلى درجة أن الجليد غطى الجزء الداخلي من خيمتي ذات صباح. كما مشينا وسط عاصفة رملية. ثم تغيرت المناظر الطبيعية بشكل كبير عندما نزلنا إلى "وادي الديسة" في شمال غرب تبوك، ومحمية الأمير محمد بن سلمان الملكية.زرت المحمية، وطلبت الإذن بالمرور عبر منطقتها، حيث لا يُسمح بالإبل إلا في أجزاء معينة. أما "وادي الديسة" فمفتوح للجميع، وهو ضيق، طوله أكثر من 11 كيلومترا، ويقع بين منحدرات حمراء عالية، حيث الوفرة بالمياه تعني الحياة (..) بينما كنت أسير بين نباتات البردي الطويلة والقصب المحاطة بأشجار النخيل ذات الجذوع المشقوقة، كنت أستمع إلى غناء الطيور ورنين الأجراس عندما تمر الحمير وهي تقود قطعان الأغنام، فشعرت كأني في ما يشبه الجنة".
وأضافت:"مشيت مع عدد من أول حارسات للغابات من الإناث في البلاد. كن يقمن بدوريات في الوادي وهن فخورات بشدة بدورهن، ويتأكدن من عدم قيام الزوار بإلقاء القمامة أو إشعال نيران على الأرض، ويراقبن الحياة البرية مثل الغزلان، وترتدي الواحدة منهن زيًا كاكيًا أنيقًا ونقابًا أسود اللون. رافقنني لأرى النباتات والأشجار والكهوف، وتحدثن عن مستقبلهن، فأخبرتني "هبة" قائدة الفريق، وقالت: "أريد أن أكون جزءًا من التغيير. أدير الرجال والنساء معا. كنت هنا منذ إنشاء الحديقة. أحب عملي، وهو مهم، حيث نهتم بالبيئة للأجيال القادمة، ولأطفالنا. بعد 10 أيام من المشي الشاق، وصلنا إلى المنطقة التي كنت أتطلع إليها أكثر من أي شيء آخر، وهي العلا التي زرتها من قبل، عند تصوير مسلسل لهيئة الإذاعة البريطانية، عنوانه: المغامرات العربية أما "العلا" فواحة عملاقة في قلب طرق التجارة القديمة التي كانت تأتي بالبخور والتوابل إلى شمال شبه الجزيرة العربية وأوروبا.. المناظر هنا طبيعية ساحرة، مع الجبال الحمراء والذهبية البارزة والوديان المظلمة وأشجار النخيل الرشيقة. لم أستطع المرور عبر العلا من دون أن أرى بعض الآثار. إنها موقع متنامٍ للأبحاث، وكانت ذات يوم موطنًا لشعب الدادانيين ومقابرهم المنحوتة بالأسود. وقد أخذني عالم الآثار وسام خليل في جولة حول الموقع، وأوضح لي أن الدادانيين حكموا منذ أكثر من 2000 عام وكانوا تجارًا، وقال: "أعتقد أنهم كانوا طيبين. يمكنك أن تقولي إنهم كانوا متعلمين من خلال الكم الهائل من النقوش التي تركوها وراءهم وأنهم كانوا متسامحين لأن الأجانب والسكان المحليين مدفونون في الموقع نفسه، ويعبدون معهم آلهتهم الخاصة".
وقالت:"منطقة "العلا" هي جوهرة التاج السياحي الجديد للمملكة العربية السعودية. فيها بعض الفنادق الفاخرة، وشقق أرخص. هناك الكثير مما يمكن القيام به هنا، من رؤية المواقع التاريخية والتجول في المدينة القديمة إلى المشي المغامر في الوديان، والانزلاق بالحبال والطيران بالمنطاد. يوجد مطار لذلك من السهل الوصول إليه، ومكان رائع لشرب القهوة. ستكون المرحلة الأخيرة تجربة مختلفة تمامًا لأني سأتجه إلى الجبال الباردة الضبابية في الجنوب لأتعرف على هذا البلد الذي يشهد تغيراً هائلاً. السعوديون الذين التقيت بهم في الطريق كانوا متحمسين للغاية لهذه الرحلة ويرغبون بشدة في إظهار حسن الضيافة والمساعدة بأي طريقة ممكنة، ويقولون. "الله يقويك ويوفقك ويحقق لك أهدافك إذا شاء"، وهي كلمات ستظل عالقة في ذهني ما حييت".