تسببت الحرب الأخيرة في لبنان بأضرار كبيرة، ولم تكن إسرائيل وحدها المسؤولة عن ذلك، بل يتحمل "حزب الله" جزءاً كبيراً من المسؤولية أيضاً، سعى عقب انتهاء الحرب إلى تلميع صورته من خلال وعود بتعويض المتضررين مادياً، لكن الوعود هذه لم تتحقق بشكل كامل.
الأطفال كانوا الفئة الأكثر تضرراً من هذه الحرب، هم عانوا صدمات نفسية ومخاوف وقلقاً مستمراً تلازمهم حتى يومنا هذا، وتؤثر على حياتهم ومستقبلهم، فهل فكر "حزب الله" بهؤلاء الأطفال؟
في قلب الضاحية، تقف الطفلة إيمان أبي حيدر، لتشاركنا شهادتها على واقع مرير: "عندما كنت أسمع صوت انفجار الصاروخ، شعرت بأن الأرض تهتز رأيت في خيالي صورة منزلي وهو يتداعى، تخيلت نفسي تحت الأنقاض". تتوقف إيمان للحظة، تستجمع قواها، ثم تتابع: "سمعت صراخ أهلي ورأيت أصدقائي يموتون. شعرت بخوف شديد، وارتجفت من رأسي حتى أخمص قدمي" وفق ما ورد في "نداء الوطن".
وتضيف: "اختبأت تحت السرير، وغطيت أذني بيديّ، لكن الأصوات لم تتوقف عن التردد في رأسي. بكيت بصوت عالٍ، ودعوت الله أن يتوقف كل هذا. تمنيت أن أستيقظ من هذا الكابوس، وأن أعود إلى حياتي الطبيعية. أصبحت أخاف من كل شيء"، تقول إيمان، "أخاف من صوت الرياح، وأخاف من صوت الرعد، وأخاف من صوت أي شيء يذكّرني بالحرب".
في سياق متصل، أوضحت المعالجة النفسية تاليا مطر بشارة أن الحروب تترك آثاراً نفسية عميقة على الأطفال، بما في ذلك القلق، نوبات الهلع، أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، الاكتئاب، والسلوكيات العدوانية. الأرق شائع بين الأطفال نتيجة الحرب، ويبقون في حالة يقظة مفرطة تجاه المحفزات الخارجية.
الأطفال الذين شهدوا العنف أو فقدوا منازلهم هم أكثر عرضة لهذه الاضطرابات. البيئة المحيطة، تزيد من الضغط النفسي على الأطفال. وفقاً لنظرية التعلم الاجتماعي لباندورا، يميل الأطفال لتقليد السلوكيات التي يرونها من حولهم، وعند تعرضهم للعنف، تزداد احتمالية تبنيهم سلوكيات عنيفة، مما يؤدي إلى ارتفاع في السلوكيات العدوانية والمشكلات السلوكية لدى بعض الأطفال. لذا، لا تقتصر آثار الحرب على الجانب الفردي فقط، بل تمتد إلى المجتمع ككل، مما يستدعي ضرورة تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال المتضررين لمساعدتهم على التعافي والتغلب على الصدمات التي تعرضوا لها.
على المدى القريب: قد يعاني الأطفال مخاوف مفرطة، كوابيس، تبولاً لاإرادياً، قلقاً مستمراً، يقظة مفرطة، وقلق الانفصال عن والديهم. قد يصبح البعض عدوانياً أو ينسحب اجتماعياً ويفضل العزلة.
على المدى البعيد: قد تتطور الاضطرابات مثل اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، القلق المستمر، الاكتئاب، مشكلات سلوكية، وصعوبات في التركيز، مما يؤثر على التحصيل الأكاديمي والأداء اليومي للأطفال. تشير تاليا إلى عدة علامات تحذيرية تدل على أن الطفل يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة بسبب الحرب ومنها:
- الخوف المفرط والسلوكيات التجنّبية: مثل الخوف من الأصوات العالية أو رفض مغادرة المنزل.
- الغضب وردود الفعل المبالغ فيها: يصبح الطفل سريع الانفعال أو عدوانياً مع الآخرين.
- الكوابيس واسترجاع الذكريات المؤلمة: يعاني من أحلام مزعجة متكررة أو يتحدث عن الحرب باستمرار.
- العزلة أو التعلق الزائد بالأهل: يفضل الانطواء أو يصبح شديد التعلق بأحد الوالدين.
- مشاكل في التركيز والتحصيل الدراسي: يواجه صعوبة في التركيز أو ينخفض أداؤه الأكاديمي بسبب الضغط النفسي.
- إعادة تمثيل مشاهد العنف في اللعب: يمثل أحداث الحرب كطريقة لمعالجة الصدمة.
إذا استمرت هذه الأعراض وأثرت على حياة الطفل اليومية، يجب التوجه إلى مختص نفسي لمساعدته على تجاوز هذه المرحلة بحسب "نداء الوطن".