دقت كاثرين بيكهام، مستشارة في مرحلة الطفولة المبكرة وباحثة، ناقوس خطر محذرة أولياء الأمور من مغبة إفراط الأبناء في المكوث أمام الشاشات.
وحسب ما نشرته "غارديان" البريطانية، قالت بيكهام إنها باعتبارها متخصصًة في تعليم السنوات الأولى، فقد رأت على مدى العقد الماضي أطفالًا يدخلون الفصول الدراسية وهم يمتلكون عددًا أقل وأقل من المهارات اللازمة لبدء تعليمهم الرسمي، لافتة إلى ان المتهم الرئيسي هو وقت الشاشة.
ففي اليوم الأول للطفل في المدرسة، من الطبيعي أن يشعر ببعض التوتر. ولكن يجب أن يكون التلاميذ قادرين على التحرك بثقة، واستخدام القرطاسية، وتكوين صداقات جديدة، وبناء علاقة مع معلمهم، والبدء في الشعور بأنهم جزء من مجتمع أوسع. ولكن أشارت دراسة حديثة إلى أن بعض الأطفال في إنجلترا وويلز غير قادرين على الجلوس أو حمل القلم.
وأضافت بيكهام أنها رأت أطفالاً يعانون من قلق الانفصال وغير قادرين على تكوين روابط. إنهم منزعجون ومرتبكون، ويتجاهلون التعليمات ويتراجعون أو يستسلمون. بالنسبة للمعلم المشغول، يبدو هذا بمثابة نقص في القدرة، أو طفل مشاغب يجب إدارته. يتم إعداد الأطفال ببساطة للفشل.
لفترة من الوقت، بدا الأمر كما لو أن الوباء ربما كان السبب في تأخر التنمية. لا شك أن عمليات الإغلاق كان لها تأثير على نمو الأطفال الذين نشأوا خلال تلك الفترة، حيث لم يتمكنوا من اللعب في الخارج والتفاعل مع الآخرين، ولكن بعد مرور خمس سنوات، يبدو أن هذه كانت مشكلة قصيرة المدى تخفي اتجاهاً أطول أمداً بكثير.
وقد أدت عمليات الإغلاق إلى تفاقم العادات التي بدأت بالفعل مع ظهور الهواتف الأولى التي تعمل باللمس. يعتمد عدد متزايد من الآباء على الهواتف الذكية للعمل وتنظيم حياتهم والتسوق والبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة. بسبب الإرهاق والتشتت، قضوا وقتًا أقل في تربية الأبناء بشكل نشط. وبدورهم، قاموا بتسليم أطفالهم جهازًا لإبقائهم مستمتعين. وكانت النتيجة أن الأطفال نشأوا وهم يمارسون نشاطاً بدنياً أقل ويتفاعلون اجتماعياً وجهاً لوجه بشكل أقل.
وأعطت بيكهام تشبيها قائلة إذا تخيل المرء أنه يقضي عامًا كاملًا بدون حركة داخل جبيرة - ستضعف عضلاته وستصبح حركاته غير مريحة. وبالمثل فإن الأطفال الذين فاتتهم السنوات الأساسية لتطور العضلات، عندما كان من المفترض أن تكون الممارسة طبيعية وثابتة، لأنه بدلاً من الحركة، تم تشجيع الأطفال على الجلوس بهدوء باستخدام جهاز.
يحتاج الأطفال إلى فرص للجري واللعب والتسلق والاستكشاف. إنهم يحتاجون إلى عقبات لتحريك أجسادهم، وأنفاق للزحف من خلالها، وعوارض للتوازن عليها، وأطواق هولا للقفز بينها. ينبغي استخدام كل عضلة ومفصل لتطوير التوازن والوضعية. يساعد هذا على إنشاء اتصالات عميقة بين الدماغ والجسم، وهي الاتصالات التي تتطلب التنسيق والوعي المكاني.
ومن الناحية الإدراكية، يعاني الأطفال بسبب عدم حصولهم على وقت تفاعلي جيد مع مقدمي الرعاية لهم. توصلت دراسة أجريت على مجموعة من الأطفال الأستراليين، الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و36 شهرًا، إلى وجود ارتباط سلبي بين الوقت الذي يقضيه الأطفال أمام الشاشات والحديث بين الوالدين والطفل. ومع قلة الكلمات التي يتحدث بها البالغون، كان هناك انخفاض في التعبيرات الصوتية للأطفال والمحادثات المتبادلة التي تعد ضرورية لتطور اللغة والمهارات الاجتماعية. وتؤثر الأجهزة أيضًا على السلوك، إذ أظهرت الدراسات وجود صلة بين الإفراط في استخدام الشاشة والتفاعل العاطفي والعدوانية والسلوكيات الخارجية لدى الأطفال.
وقالت بيكهام إن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه النتائج لا يتم توزيعها بالتساوي بين الأطفال؛ إنها تؤثر على أولئك الذين يواجهون بالفعل عيوبًا كبيرة بسبب عدم المساواة الاقتصادية والعرقية. وكشفت الأبحاث أن الأطفال الهولنديين من خلفيات اجتماعية واقتصادية أدنى يميلون إلى قضاء وقت أطول أمام الشاشات.
كما توصلت دراسة أميركية، تبحث في العوامل الاجتماعية والديموغرافية، إلى أن الأطفال أصحاب البشرة السمراء أفادوا بمستويات أعلى من أنشطة وقت الشاشة المختلفة مقارنة بأقرانهم. ومن المثير للاهتمام أن الباحثين، الذين أجروا الدراسة الأميركية، اكتشفوا وجود ارتباط بين محدودية الوصول إلى الأماكن الترفيهية الآمنة وزيادة وقت الشاشة. إن البيئات تشكل شخصية الطفل، ومن الواضح أن الأطفال يحتاجون إلى الوصول إلى أماكن لعب آمنة حيث يمكنهم تجربة اللعب التفاعلي الاجتماعي والجسدي.
أوضحت بيكهام أن بعض الأطفال يكونون أكثر عرضة للخطر من غيرهم عند بدء الدراسة. وأنه بدلاً من اتباع نهج واحد يناسب الجميع، فإن الأطفال والأسر، وخاصة أولئك الذين يعانون من عيوب أخرى، سوف يستفيدون من برامج الدعم والإرشاد الأبوي المستهدفة. إن الدرس الرئيسي الذي تود أن تقدمه للآباء والأمهات هو: عندما يتم استخدام الوقت أمام الشاشة، فيجب أن يكون تفاعليًا، مع مناقشات جذابة حول المحتوى لتعزيز التعلم وربط الدروس التي تظهر على الشاشة بمواقف الحياة الواقعية، وتعزيز التطور المعرفي والاجتماعي للطفل. لا يمكن وقف تقدم التكنولوجيا، ولكن يمكن استخدامها بشكل أكثر وعياً.