قبل ساعات قليلة على مغادرة رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي تنتهي ولايته مساء غد الاثنين، القصر الجمهوري والعودة الى مقر إقامته في الرابية، وبعد ما أطلقه من اتهامات ضد خصومه السياسيين وآخرها تهديده بتوقيع استقالة الحكومة المستقيلة أصلاً منذ ما بعد الانتخابات النيابية، لا يبدو ان الخروج من القصر الجمهوري سيكون مشابهاً لدخوله قبل 6 سنوات بعد انتخابه بما يشبه الاجماع الوطني.
يومها وبعد سنتين من الفراغ الرئاسي، اعتقد اللبنانيون أن جنرال الرابية المشاكس قد بلغ من النضج السياسي ما يجعله يحقق للبنان العدالة الاجتماعية التي لطالما تغنى بها في أجواء من الرخاء والبحبوحة والازدهار الاقتصادي المنشود، واذ به ومنذ اليوم الأول لجلوسه على كرسي الحكم كان هاجسه كيف يؤمن للصهر المصون الذي أوكله عنوة رئاسة التيار البرتقالي خلافته في رئاسة الجمهورية، مستفيداً من تجربة إقامته في القصر رئيساً للحكومة العسكرية الفاقدة الشرعية والميثاقية بحجة حماية الدستور والمؤسسات كما كان يدّعي حتى الخروج منه مكرهاً في ١٣ تشرين أول ١٩٩٠ بعد تمرده ومعارضته اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية.
هذا الاتفاق هو نفسه الذي تحوّل الى دستور البلاد، والذي أقسم عون يمين الحفاظ عليه قبل 6 سنوات وأكد التزامه بكل مندرجاته، وهو نفسه الذي يصرّ اليوم على الانقلاب عليه مرة جديدة من خلال خلق أعراف واجتهادات لا معنى دستوري لها، وهي وإن دلّت على شيء فإنما على الروح المتعطشة لشهوة السلطة ولو على ما تبقى من أنقاض الدولة ومؤسساتها التي أفرغها مع حاشيته وفريقه السياسي من كل مقوماتها طوال السنوات الست الماضية. فما كابده اللبنانيون من القحط والقهر والمجاعة وفقدان الأمل بقيامة الدولة جعلهم يكفرون بكل شيء وهو ما جعل قسم منهم يفضّل الهرب في قوارب الموت على البقاء في جهنم الذي أوقعهم بها سيد العهد الميمون.
وحيث لم يبقَ من عمر العهد إلا الندر القليل من الساعات التي شارفت على نهاياتها، يلوّح عون لا بل يهدّد بالتوقيع على مرسوم استقالة الحكومة المستقيلة أصلا منذ إجراء الانتخابات النيابية في أيار الماضي. فعلى ماذا يعتمد عون إذا أقدم على هذه الخطوة؟ وهل من نص دستوري يسمح له بذلك؟
الوزير السابق المحامي ادمون رزق الذي يُعدّ من جهابذة الطائف، كشف في حديث لـ"الأنباء" أن المفروض وفق العرف والمتفق الدستوري أن تصدر مراسيم متلازمة بالوقت بقبول استقالة الحكومة ومرسوم تكليف الرئيس الذي يؤلف الحكومة ومرسوم تعيين الوزراء بناء على اقتراح رئيس الحكومة، أما إصدار مرسوم لقبول الاستقالة وإبقاء الشغور فهو خطأ جسيم. فمن الواجبات البديهية برأيه درء الشغور وإصدار مراسيم متلازمة بقبول الاستقالة وتسمية الرئيس المكلف وتشكيل الحكومة.
أما بالنسبة لحكومة تصريف الاعمال، فقال: "لقد وضعنا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال الضرورات تبيح المحظورات لأنه لا يوجد شيء اسمه شغور مسبق أو كامل بالدستور، هناك شغور بمراكز وليس بمسؤوليات، وهناك مسؤولية مباشرة على كل شاغل موقع السلطة أن يدرأ الشغور تحت طائلة اعتبار العمل خطأ فاجعاً يوازي سوء النية وبمعنى آخر يناهز الخيانة.
وأضاف "على كل مسؤول أن يمارس مسؤوليته بشرف وكرامة وكل تذرع بأي ظرف او سبب مردود لا يبرر ولا تسويغ للعجز او للفشل هذا بمعزل عن الحالة الراهنة والأشخاص أيا كانوا"، معتبراً أداء المسؤوليات هو موجب لأصحابها والامتناع عنها بأي ظرف هو نكول يسقط الاهلية، مستذكراً العهد الأخير الذي عاشه لبنان بكرامة دستورية هو عهد الرئيس الياس سركيس. وقال: "كان هناك فرصة لاستمرارية الدولة بعد الياس سركيس بالشيخ بشير الجميل وبعد الطائف بالرئيس رينيه معوض ولكن بالنتيجة انقطع التواصل الجمهوري وتحول بعبدا الى قصر للضيافة وشاغلوه الى نزلاء"، داعياً الى صحوة شعبية تطيح مضارب الاراجيز حيث ما كانت لكن البدائل غير متوفرة.
جريدة الأنباء الالكترونية