لبنان

شدٌّ للعَصَب استعداداً لـ"جبهة اعتراض" من الرابية

شدٌّ للعَصَب استعداداً لـ

مع العدّ العكسي لمغادرة بعبدا، حرص رئيس الجمهورية ميشال عون على اتخاذ وضعية «الإصبع على الزناد» في الملف الحكومي، موحياً بأن توقيعَ مرسوم قبول استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (المستقيلة حُكْماً منذ أيار الماضي بعد الانتخابات النيابية) بات قاب قوسين وسيحصل غداً ما لم يكن تم تأليف حكومة بشروط فريقه وذلك في محاولةٍ لوضْع العصي في دواليب وراثة حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة الأولى، بالتوازي مع سعي لـ «حرق» الحوار الذي يعدّ له رئيس البرلمان نبيه بري الذي وَضعه رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في «خندق واحد» مع ميقاتي عبر اتهامهما بالتخطيط «للاستيلاء» على موقع الرئاسة وصلاحياتها عن سابق تَصوُّر وتصميمٍ على... الفراغيْن.

وإذ تم التعاطي مع «شحْذ» مرسوم قبول الاستقالة والمناخات المشتعلة تجاه ميقاتي وبري على أنها تعبيرٌ عن تشكيلٍ بات شبه مستحيل للحكومة، وفق تلميح عون نفسه في حديث تلفزيوني، فإن مفاعيل هذه الخطوة التي يُخشى أن «تُغرَزَ» في جسم اتفاق الطائف بقيت تُقاس في السياسة أكثر منها في دستورياً، وسط إجماع خبراء وحقوقيين على أن طابعها سيكون بحال حصلت «إعلانياً» لاستقالةِ الحكومة وليس إنشائياً أي يرتّب تداعيات، باعتبار أن هذا المرسوم لا يوقف بأي حالٍ تصريفَ الأعمال للحكومة الحالية، وهو ما يحصل فقط عند صدور مرسوم التشكيلة الحكومية الجديدة مُتَلازماً وفق العُرف مع مرسوميْ قبول استقالة الحكومة وتسمية رئيس الوزراء.

من هنا، فإن البُعد السياسي للجوء عون إلى هذا «السلاح الثقيل» الدستوري يبقى الأهمّ كونه يؤشّر إلى أن الجنرال سيقود «جبهة اعتراضٍ» من الرابية يؤسس أرضيتَها الشعبية اليوم ارتكازاً على شدّ عَصَب طائفي، وسط اعتبار أوساط مطلعة أن «ورقة مرسوم قبول الاستقالة» صارت شبه «منتهية الصلاحية» بعدما أفرغها ميقاتي نفسه من مضمونها عبر مناخاتٍ تفيد أن انتقالَ صلاحيات الرئاسة الأولى إلى حكومته المستقيلة لا تُكْسِبُها صفةً خارج تصريف الأعمال، وأن التلويحَ بحضّ وزراء على الاعتكاف عن ممارسة مهماتهم تحت هذا السقف في محاولةٍ لمنْع مجلس الوزراء من الالتئام في جلساتٍ تشكل الوعاءَ لانتقال صلاحيات الرئاسة الأولى إليه «مجتمعاً» لا يقدّم ولا يؤخّر لأن ميقاتي لن يدعو إلى جلسات خارج الضرورات القصوى وسيمضي في الاجتماعات الوزارية التي يعقدها «على الملفّ».

وقد نُقل عن أوساط رئيس حكومة تصريف الأعمال أمس «أن توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة هو لزوم ما لا يلزم ويُعتبر كأنه لم يكن ولا يغيّر من الواقع شيئاً، وندعو لمراجعة ما قاله المرجع الدستوري إدمون رزق اليوم بوصفه هذا الأمر بالخيانة العظمى»، معتبرة «أن الرئيس ميقاتي أكد مراراً وتكراراً أنه لن يكون تصادمياً ولا استفزازياً ولا يسعه إلا أن يقوم بما أوكله إليه الدستور».

وسبق ذلك إعلان ميقاتي نفسه «أننا مقبلون على مرحلة جديدة عنوانها الأبرز أننا لن نتحدى أحداً ولن نقف بوجه أي أمر يخدم لبنان وأهله»، وقال: «فلتتوقف المناكفات والتجاذبات رحمة بالناس وبقطاعات الإنتاج. ونحن ننتظر في الفترة المقبلة موسماً شتوياً واعداً، وقد ابلغني أحد السفراء العرب بالأمس أن هناك حجوزاً مكتملة لمدة خمسة عشر يوماً للسفر الى لبنان خلال عيدي الميلاد ورأس السنة، بمعدل أربع أو خمس طائرات في اليوم. فلنتعال عن كل التجاذبات، ولتتكاتف الأيادي بعيداً عن الحسابات والفئويات والعصبيات، ولنتعاون لمعالجة الأوضاع الصعبة وإعادة التعافي إلى لبنان».

وعَكَس هدوء ميقاتي، الذي يتوجّه غداً إلى الجزائر لترؤس وفد لبنان الى القمة العربية، أن ملف الحكومة بات وراء الجميع وأن العيون لم تعُد ترصد إلا نهاية عهدٍ لم يعُد له من حلفاء سوى «حزب الله» الذي اعُتبر «تسليفه» باسيل، الذي التقى السيد حسن نصر الله قبل 4 أيام، ورقة مقاطعة وزيريْه أي اجتماع لحكومة تصريف الأعمال بـ «قبعة رئاسية» بمثابة «شيك بلا رصيد» وموقفٍ سياسي لا أكثر في ظلّ سحْب ميقاتي فتائل الصِدام الدستوري وإدارته مرحلة ما بعد الشغور بما يُراعي عدم الإفراط بالاستفادة من غطاء مسيحي توفّره أحزاب وازنة مثل «القوات اللبنانية» وآخرين يعتبرون أن وراثة حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة دستوريّ.

وإذ تتقاطع هذه العناصر لتجعل مرسوم قبول الاستقالة بمثابة «قنبلة صوتية» قد تجرّ البرلمان، بصفته المرجعية لتفسير الدستور، للإفتاء بلا دستورية خطوة عون وتالياً محض ميقاتي وحكومته «ثقة ثمينة» غير مباشرة، فإن الرئيس بري الذي يحكم علاقتَه بعون «ودٌّ مفقود» لم يجد سبيلاً ولو إلى هدنة على طريقة «الإخوة الأعداء» لم يتوانَ عن «ردّ الصاع صاعين» لرئيس الجمهورية وباسيل على خلفية اعتبار الأول أنه «حتى إن انتهت ولايتي الرئاسية لا يحقّ لبري أن يحلّ مكان رئيس الجمهورية، والحوار حول الموضوع الرئاسي سيفشل»، وإعلان الثاني أمس مصوّباً ضمناً على «القوات»: «باع اليوضاسيون صلاحيات الرئيس باتفاق الطائف، وامتنعوا لليوم عن تنفيذ أحسن ما فيه. وهم يتحضرون بعد 31 تشرين الأول لبيع ما تبقى من صلاحيات لنجيب ميقاتي ونبيه بري ومستعدون للمقاومة لمنعهم من سلبها... نحنا بلّغنا وحذّرنا».

وفي بيان من هيئة الرئاسة في حركة «أمل» انطلق من أنه «كي لا يُفَسر الصمت تسليماً بتخرصات أولئك المسكونين بالكوابيس والهواجس»، جاء أن «من المؤسف التجني الذي يلحق بالرئيس بري من جهات يعرفها القاصي والداني، والتي تتذرع حينا بأن رئيس المجلس لا يحق له الدعوة الى الحوار وأخذ صلاحيات رئيس الجمهورية، متناسياً حوار عام 2006 بحضوره بشخصه وكانت المطالبة آنذاك بوجوب مشاركته في الحكومة، وحيناً آخر بالتذرع بأن الرئيس بري ليس مع تأليف الحكومة وهو الذي سعى ولا يزال بإخلاص وبقوة من أجل إنجازها، لكن الحقيقة بائنة كما الشمس بأن من يتهم ويصوب السهام نحوه هو الذي عطل تأليف الحكومة ويريد تسمية أغلب وزرائها دون ان يمنحها الثقة، فمن هو اليوضاسي؟ وذاكرة اللبنانيين لا تزال تنضح بمقولة(كرمال عيون الصهر عمرها ما تتشكل الحكومة)».

وإذ تحدث عن «محاولة إخفاء دور الرئيس بري في الوصول الى التفاهم حول الحدود البحرية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وهو الذي أسس له وبناه وأكمله قبل العهد الحالي وإبانه وحتى خواتيمه»، ختم: «من نكد الدهر ان تصبح الدعوة الى الحوار جريمة والنعق في أبواق الشرذمة والتفرقة والفراغ فضيلة. يا عيب الشوم».

الراي الكويتية

يقرأون الآن