عربي آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

معاوية في الدراما: صراع السَّرد بين السُنَّة والشيعة

معاوية في الدراما: صراع السَّرد بين السُنَّة والشيعة

هؤلاء الذين تقاتلوا في القديم، هم مَن صنعوا التاريخ الإسلامي، وتاريخ منطقتنا، وتاريخنا نحن، فلماذا نُحرم من معرفة التاريخ، حتى ولو كان مليئاً بالصراعات والخلافات، وإلاَّ، إذا كان لكل أصحاب حدث سُلالة تمنع تداوله، تحت أي دليل ومُبرِّر عند المرجعية الإسلامية، فمتى تُسرد الحكاية؟

لا يوجد تاريخ مؤرَّخ نهائي، فالراوي ليس صانع الحدث، بل هو ناقل للحدث، كما أنَّ رجل الدين ليس صانع الدين، بل هو مفسِّر فهم الدين؟

هذا يعني أنَّ التاريخ ليس مجرد واقعة معينة، وحدث يمر منذ مئات بل الآف السنين، بل، هو مساحة مفتوحة لتفسير الماضي وتشكيل الحاضر، فإذا كان العقل مفتاحه التاريخ، فإنَّ السلطة مفتاح التاريخ، وهذا ما يستخدم كأداة لصناعة الوعي الجمعي وتكوين العقل الإسلامي الجمعي، وأيضاً، هذا ما يجعل السرد التاريخي واحداً من أكثر المواضيع حساسية في عالمنا العربي والإسلامي، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بشخصيات محورية مثل "معاوية بن أبي سفيان"، وهذه الشخصية قد لعبت دوراً محورياً في تأسيس الدولة الأموية، ولا تزال تمثل أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل بين المذاهب الإسلامية.

بين السنة والشيعة

المسلسل الدرامي "معاوية" الذي يُعرض على قناة (أم بي سي) ليس مجرد عمل فني يحكي قصة، بل هو بمثابة مرآة تكشف عن التوترات بين المرجعيات السُنيَّة والشيعيَّة، تلك التوترات التي لا تزال تؤثر في فهمنا للتاريخ وتوجيهنا للمستقبل.

من جهة، تمثِّل المرجعية السنية في العديد من الآراء حول صورة "معاوية" المؤسس الدولة الأموية، ومن ثقافة وسياسة وممارسة دينية تركت أثراً كبيراً في تاريخ الإسلام، وهذه الرؤية تقدمه كحاكم سياسي بذكاء ودهاء قادر على إدارة الدولة، وأيضاً ترى أن الصراع الذي وقع بينه وبين الإمام علي(ع) ليس مجرد صراع ديني، بل هي صراع سياسي حول السلطة، ولهذا يعتبر "معاوية" في نظر الكثيرين جزءًا كبيراً من تاريخ الدولة الإسلامية التي شهدت تحولات كبرى.

المسلسل الدرامي "معاوية" الذي يُعرض على قناة (أم بي سي) ليس مجرد عمل فني يحكي قصة، بل هو بمثابة مرآة تكشف عن التوترات بين المرجعيات السُنيَّة والشيعيَّة

من ناحية أخرى، تحتفظ المرجعية الشيعية بنظرة مختلفة، تنظر إلى "معاوية" ليس فقط كخصم سياسي، بل كرمز لانحراف مسار الخلافة بعد وفاة النبي محمد(ص)، واستبدالها بمبدأ الشورى التي غدت بمثابة التحريف لمسار التاريخ الإسلامي الأصيل، وهذا مما يجعل شخصية "معاوية" عند الغالبية من علماء الشيعة محط اتهام في الثقافة الشيعية العامة.

بين هذه المرجعيتين، تبقى هذه المشهدية معقدة بحيث تتداخل القراءات التاريخية بالدين والسياسة، وهكذا ستبقى الخلافات ذات طابع مذهبي طائفي، في الوقت الذي يُفترض أن تكون هذه الأفلام الدرامية ذات طابع فني وعمل تحليلي يتحول إلى ساحة معركة فكرية دينية، وإلى فتاوى تحريم لسرد هذه الروايات التاريخية التي يجب أن تمر عبر مرشحات مرجعية فقهية ومذهبية لضمان عدم تحريف ما يدعونه بأنه هو الحقيقة المطلقة.

فهذه الامتدادات المذهبية تتحكم في ما نشاهده من تاريخ، تتحكم في الصورة، والأنظمة تتحكم في كل ما نقرأه ونشاهده، بالصور والصفحات، ونحن شعوب مصدرها المعرفي الوحيد الألوان، فغالبيتنا لا تقرأ.

أزمة ثقافة ووعي

لماذا السينما العربية والإسلامية يخجل فيها الأحفاد بالأجداد، ولماذا تخشى إثارة النعرات الطائفية والقبلية والمذهبية؟ بينما السينما الغربية تحفل بتاريخ الغزوات بين القبائل القديمة، من دون أن نرى هذه النعرات حتى بين الأفراد والمجتمعات كافة، هذه يعني ان هناك ثقافة واعية نحو حياة أفضل، في حين اننا ما زلنا في الشرق نعاني من أزمات عميقة في الوعي والثقافة.

هذا المقال يهدف إلى تسليط الضوء على هذه المعركة المستمرة بين السرد التاريخي من منظورين مختلفين، الشيعي والسني، وكيف أن كلا المرجعيتين تمارسان "احتكاراً" لهذا التاريخ، مع محاولة إظهار الفرق بين السرد الموضوعي والتمثيل السياسي الذي يتخلل كل قصة تاريخية.

في النهاية كأنَّ وسائل المعرفة في تاريخنا تتقلَّص وتنكمش، فهذا البرنامج يسيء للسياسي الفلاني، وذاك الفيلم يسيء للدولة الفلانية، وذلك الكتاب يسيء لرجل الدين، وتلك الرواية تثير نعرة قبلية، وأخرى ستثير فتنة طائفية، وأما المسلسل المقصود فسيعيد حروب القبائل، وفي بعض الدول تحجب آلاف المواقع الانترنتية لعدم توافقها مع الفكر السياسي الداخلي..

لماذا السينما العربية والإسلامية يخجل فيها الأحفاد بالأجداد، ولماذا تخشى إثارة النعرات الطائفية والقبلية والمذهبية؟ بينما السينما الغربية تحفل بتاريخ الغزوات بين القبائل القديمة

ماذا بقي للمشاهد أو القارئ؟ لم يبق سوى تحريك اللسان وهز الوسط لضمان رضا الجميع من جهات دينية وسياسية واجتماعية وقبلية ودينية، لكي يرضى الجميع يجب أن ينسى التاريخ ولا يقرأ أحد الحقيقة.

هل ما زلنا نحيا عهد القبائل المتنازعة؟!

يقرأون الآن