سيناريو الحرب الجديدة على غزة

ستمضي الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ مخططها الرئيس في قطاع غزة دون إنصات، أو استماع للمطالبين بوقف الحرب من دون ضمانات محددة، وتسليم كل المحتجزين والجثامين، وفقاً لرؤية المبعوث الأميركي ستيف وتكوف، والتي تماهت تماماً مع الرأي الإسرائيلي بصورة واضحة.

وتكشف العمليات الإسرائيلية، وما سبقها على أن قرار العودة للحرب تم اتخاذه، خلال المشاورات الأمنية التي عقدها نتنياهو بحضور عدد قليل من الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية – المستوى العسكري بقيادة إيال زامير، حيث عرض على نتنياهو ووزرائه الخطط العملياتيه في غزة، وتم التصديق عليها كما تجددت العمليات الإسرائيلية في أعقاب تقييمات إسرائيلية عن عودة وفد التفاوض الإسرائيلي من مصر دون تحقيق أي تقدم في المفاوضات مع «حماس» بشأن المراحل التالية من اتفاق وقف إطلاق النار، والإفراج عن الرهائن.

واللافت من تنفيذ هذه الضربات أنها أوسع نطاقاً بكثير من سلسلة الغارات الجوية التي أشار فيها الجيش الإسرائيلي إلى أنه نفذها على أفراد أو مجموعات صغيرة ممن يشتبه بأنهم مسلحون، إضافة لتشدد حركة «حماس» في التجاوب مع طرح المبعوث الأميركي ستيف وتكوف، وهو طرح مجدد ومحدث عن أصل الاتفاق الرئيس، ورغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي استعادة الخيار العسكري تخوفاً من ضغوط الإدارة الأميركية باستمرار التفاوض، رغبة في تحرير أكبر عدد من المحتجزين، وتوجه الحكومة الإسرائيلية بخطاب جديد للجمهور الإسرائيلي، وليس فقط أسر المحتجزين بأن إسرائيل تواجه حرب وجود، وليس حرب حدود. إسرائيل كثفت غاراتها الجوية، أما الخطوة الأخطر والأهم، فقد تتم لاحقاً، ألا وهي عودة كاملة للمواجهة البرية حيث ما زال للجيش الإسرائيلي 3 فرق عسكرية في محيط غزة، لحاجته إلى تعزيزها بعناصر الاحتياط، إذا قرر شن عملية برية واسعة ما لم يحدث سيناريو مقابل، كما أنه من غير المستبعد أن تتدحرج الأمور إلى حرب واسعة تشمل اجتياحاً برياً لبعض المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي في الفترة الماضية، ومن غير المرجح أن توقف إسرائيل هجومها العسكري المتصاعد دون اتفاق لإطلاق سراح المزيد من المحتجزين، عازمة على إجبار حماس على التفاوض تحت النيران، كما أعلن نتنياهو مؤخراً.

كما تأتي العودة للمواجهات في قطاع غزة في سياق القفز على الأزمات الداخلية التي افتعلها نتنياهو، وأبرزها إقالة رئيس الشاباك، رونين بار، وإعفاء يهود الحريديم من الخدمة العسكرية، وكذلك مشروع الموازنة العامة، وعليه اختار نتنياهو الهروب إلى الأمام باستئناف المواجهات مجدداً تحت ذريعة السعي إلى تحقيق كامل أهداف الحرب على غزة، كما يأتي أيضاً في سياق الضربات في جنوب لبنان، والتوغل في سوريا، والقصف الأميركي على «الحوثيين»، ومن ثم فإن إسرائيل تستغل الدعم الأميركي من أجل تقويض «حماس» عسكرياً، والقضاء على «حزب الله» في لبنان، ومنع وصول الأسلحة إليه، وذلك تحت غطاء استئناف المواجهات، وليس الشروع بحرب شاملة.

في هذا السياق ستمضي الحكومة الإسرائيلية في مسار محدد السيناريو الأول: استمرار العمليات العسكرية على القطاع بهدف الضغط على حركة «حماس» للعودة للمفاوضات مجدداً وتقديم تنازلات، وهذا هو السيناريو الأكثر توقعاً في ظل ما يجري، وتخوفاً من انفتاح المشهد، خاصة أن هذا السيناريو مرتبط بالسلوك الأميركي الذي يقوم بتوجيه ضربات على مواقع «الحوثيين» لكي يمنع توجيه أية ضربات على المواقع الإسرائيلية، وبرغم ذلك فقد تم إطلاق صاروخ على قاعدة عسكرية مهمة في إسرائيل.

السيناريو الثاني: القيام بعمل عسكري شامل لإنهاء وجود كل التنظيمات الموجودة في القطاع، وعلى رأسها حركة «حماس»، والبدء في اتباع مسار تفاوضي نهائي، وإنْ كان هذا السيناريو صعب التحقيق كاملاً، ويحتاج إلى قوة دعم كبيرة وتأييد أميركي، وتكلفة عالية، وسيدخل إسرائيل في صدامات إقليمية، لأنه سيعتبر عملاً من جانب واحد ومحفوفاً بالكثير من المخاطر، التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من المواجهات في الشرق الأوسط بأكمله، وربما استهداف المصالح الأميركية في المنطقة، واندلاع حالة من المواجهات، خاصة أن هذا السيناريو سيكون صفرياً في حال العمل به إسرائيلياً.

السيناريو الثالث: قبول حركة «حماس»، من خلال تدخل الوسطاء بالمقترح الأميركي، وتقديم تنازلات كاملة، وإلا فإن مصير قيادات الحركة سيكون على المحك حال استئناف إسرائيل سياسة الاغتيالات وضرب القطاع، وغيرها من الإجراءات والتدابير التي قد تقدم عليها إسرائيل في التعامل مع قطاع غزة، الأمر الذي قد يؤدي إلى حالة من التوافق، ولو شكلياً دون عودة إلى الاتفاق الرئيس لوقف إطلاق النار، وسيدفع إسرائيل إلى المزيد من التشدد السياسي، مستخدماً في التوقيت نفسه الخيار العسكري في التعامل للضغط على حركة حماس، ومحاصرة خياراتها بالكامل.

في المجمل، يمكن التأكيد أنه وبرغم استئناف الحرب على قطاع غزة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، لا يستطيع التهرب من استحقاقات الصفقة بمراحلها المتقدمة، ولا يبدو بأن خياراته ستتسع بل ستضيق، فالعودة إلى المواجهات لن تحقق هدف الحرب المعلن، وهو إعادة المحتجزين الإسرائيليين، بل تجعل عودتهم صعبة برغم السيناريوهات العديدة المطروحة.

الاتحاد

يقرأون الآن