لم يجد النواب في الظروف الإستثنائية التي يمرّ بها لبنان ما يدفعهم للإسراع في انتخاب رئيسٍ للجمهورية خلال الجولة الرئاسيّة الثامنة، قبل أن تتصاعد في المقابل التحدّيات التي تدفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى دعوة مجلس الوزراء إلى عقد جلسة، بالتوازي مع دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة عامة في السابع من الشهر الجاري.
ومع انكباب السراي الحكومي على وضع البنود الصحيّة والإستشفائية والخدماتية على جدول الأعمال قبل دعوة الوزراء إلى "تعويم" مجلسهم المستقيل، وتحميل المتغيّبين من بينهم المسؤولية أمام الرأي العام، وجد الرئيس برّي في متابعة ملفات الفساد ودعوة الهيئة العامة إلى البتّ في العريضة الإتهامية وتعقّب "الفاسدين"، مدخلاً لاستئناف المجلس جلساته، وسط شغور في موقع الرئاسة الأولى، التي عُهِد إليها أن ترعى إنتظام عمل المؤسسات واحترام تطبيق الدستور.
وهذا ما فتح الباب أمام التساؤل عن تأثير تغييب الموقع المسيحي الأول ودوره في الميثاق والسلطة بالدرجة الأولى، والبحث عن المبدأ الذي يخوّل حكومة مستقيلة ومقيّدة الصلاحيات، الإنعقاد، وقيام مجلس النواب بالتشريع وسط غياب رئيس الجمهورية؟!
ومع تأكيد تكتل "الجمهورية القويّة" وجوب انتخاب رئيس للجمهورية قبل شروع المجلس النيابي في استئناف جلساته التشريعية، بما يتلاقى ومواقف الكتل المسيحية الأخرى، تتجه الأنظار إلى الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية السابق ميشال عون وعلى المقرّبين من "التيار الوطني الحر" لرصد موقفهم من استئناف مجلس الوزراء جلساته، بعد موقف تكتل "لبنان القوي" برئاسة جبران باسيل القاضي بأنّ "الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية، بعيداً عن محاولة إخضاع "التيار" إلى الإبتزاز، ووضع الوزراء في مواجهة الناس في حال تقيّدهم بالدستور، بحجة تأمين الأموال للمتطلبات الأساسية".
ومع تشديد "التيار الوطني الحر" على رفضه الإنصياع للإبتزاز وتأكيد موقفه الرافض إلتئام الحكومة والتشريع في ظل الشغور الرئاسي، رأت أوساط قريبة منه أنّ هذه المواقف تعود إلى خيارات "التيار" المبدئيّة والواضحة والمرتبطة بعدم دستورية حلول رئيس الحكومة المستقيلة مكان رئيس الجمهورية والصلاحيات المعطاة له، للتفرّد بالدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء. وذلك بعدما أصبح تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة بحكم الساقط، مع انتهاء ولاية الرئيس عون، واستمرار حكومته في تصريف الأعمال منذ الإنتخابات النيابية. وقبل انتهاء ولاية الرئيس عون، لم يجد ميقاتي ما يدفعه إلى التوافق معه، لعقد جلسة لمجلس الوزراء، قبل أن ينقلب راهناً على الدستور محاولاً وضع يده على صلاحيات الرئيس.
وهذا ما من شأنه أن يفتح الباب أمام استسهال الشغور في سدّة الرئاسة الأولى والدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء، كما ترى الأوساط نفسها، واستئناف مجلس النواب جلساته التشريعيّة، وتكريس أعراف جديدة تتيح الإستغناء عن رئيس الجمهورية وموقعه المحصّن في الدستور وإمكانية استمرار المؤسسات في عملها المعتاد، ما يشكل فضيحة كبيرة بكافة المقاييس، تطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل "الطائف" وموقع الرئاسة واستمرارية العمل بهذا الدستور، وصولاً إلى البحث في موقع الشراكة المسيحيّة في السلطة، بعيداً عن موقف "التيار الوطني الحر" أو أيٍّ من القوى والأحزاب المسيحيّة الأخرى.
وفي الغضون، تسأل الأوساط عن إمكانية إجتماع مجلس النواب برئاسة نائب الرئيس في حال شغور موقع الرئاسة الثانية أكان بسبب الإستقالة أم الوفاة أم أيّ سبب آخر. واستطراداً، تسأل عن دور نائب رئيس الحكومة وقدرته على الدعوة إلى عقد مجلس الوزراء في حال وفاة رئيسه أو استقالته أو أيّ سبب آخر؟.
ومع غياب أيٍّ من السوابق التي تتيح ذلك، تساءلت جهات متابعة عن الدوافع التي تتيح استباحة موقع رئاسة الجمهورية خلافاً للرئاستين الثانية والثالثة، والسعي إلى ضرب موقع المسيحيين في الشراكة الميثاقيّة في السلطة، بعيداً عن مواقف الأحزاب المسيحية ومشاركتها في الجلسات التشريعيّة أو الوزارية المرتقبة، لتشدّد في الختام أن "الظروف الطارئة" التي تحتّم على مجلس الوزراء الإنعقاد (جرّاء عدوان ما)، تفرض نفسها على الجميع وبصلاحيات مقيّدة جداً، بعيداً عن التمهيد لوضع اليد على صلاحيّات رئيس الجمهورية، والذي لن يكون مقبولاً من أيٍّ كان!
طوني كرم - نداء الوطن