بعد دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي حكومته الى جلسة لمجلس الوزراء الاثنين المقبل، باتت ثمّة قواعد جديدة للعبة الدائرة منذ نهاية ولاية الرئيس ميشال عون. التئام الجلسة وتمكّنها من اتخاذ قرارات هو أول الغيث.
مع أن الدعوة هي الأولى لمجلس وزراء حكومة تصريف الأعمال منذ استقالتها حكماً في أيار الفائت، إلا أن طابع استعجال انعقاد الجلسة عكس دفعاً جديداً للاشتباك القائم من حول مثلث المؤسسات الدستورية الثلاث المعطلة، رئاسة الجمهورية والسلطتان الإجرائية والاشتراعية. فحوى الدعوة هذه أكثر من كسر حلقة الجمود. هو أقرب الى إعادة توزيع الأدوار والأحجام وقلب القواعد المتّبعة. ليست ذريعة العجلة سوى استعجال قطف الثمرة فوراً أولاً، وتسجيل السابقة. الأربعاء المقبل، يغادر الرئيس نجيب ميقاتي بيروت ويغيب عن البلاد الى الأحد، فيما الأسبوع الذي يلي يمهّد لعطلة الأعياد التي تجرجر الى ما بعد رأس السنة الجديدة. هي الروزنامة المنطقية لتوجيه رسالتين ملحّتين: أولى أن اجتماع حكومة تصريف الأعمال لمعالجة مشكلات معيشية واجتماعية طارئة، ناهيك بالمعلن وهو مستحقات المستشفيات. وثانية أن الجلسة ـ إذا لم يتعثر انعقادها في الدقيقة الأخيرة ـ ستقدم اختباراً لطريقة إدارة المرحلة المقبلة في شغور طويل، وربما أكثر من المتوقّع له.
المطّلعون على مسار الجهود المبذولة الممهّدة لاجتماع حكومة تصريف الأعمال يوردون بضعة معطيات متصلة بالقرار المستجد:
أولها، دعم الرئيس نبيه برّي ووليد جنبلاط اجتماع مجلس الوزراء بفعل عامل الضرورة في قضايا ملحّة لا تقتصر على مشكلة أو ملف واحد، بل فاتحة اجتماعات تالية. اجتماع كهذا لا يخرج بدوره عن التعهّد الذي قطعه ميقاتي للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عشيّة نهاية ولاية عون بحصر الاجتماعات ـ إذا عقدت ـ بما يستجدّ ولا يحتمل تأجيله. المطّلعون على موقف رئيس البرلمان يلمسون منه ضرورة تحريك الوضع الحكومي كتعويض عن الانسداد المطبق على انتخابات رئاسة الجمهورية ومحاولة تحريك عجلة السلطات.
ثانيها، لا يخفى على الجلسة المفترض انعقادها الاثنين الموقف المعلن سابقاً من رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وهو رفضه التئام حكومة تصريف الأعمال وتلويحه بعدم مشاركة وزراء التيار وحلفائه في أي جلسة انطلاقاً من طعنه المسبق بأهليّة اجتماعها ودستورية قراراتها. بيد أن الإعلان عن الدعوة أمس أتاح، الى الاثنين على الأقل، الاعتقاد بصحة ما سرى همساً في أوساط المعنيين من أن رئيس الحكومة لم يوجّه الدعوة الا بعد تيقّنه من تجاوز قطوع تعطيل نصاب الاجتماع، وهو حضور ثلثَي الوزراء. يقول المطّلعون إن أي اجتماع تعقده الحكومة سيحضره 16 وزيراً على الأقل، وهم ثلثا مجلس الوزراء المنصوص على نصابهم في المادة 65 من الدستور. ذلك يفضي الى قانونية الاجتماع، وكذلك قراراتها وتوقيعها المقصور ـ خلافاً لعرف استثنائي درج إبّان حكومة الرئيس تمّام سلام عامَي 2014 و2016 ـ على توقيع رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص أو الوزراء المختصين.
ثالثها، ليس اجتماع الحكومة، المؤهَّل لأن يتوالى فصولاً في ما بعد تبعاً للقضايا المطروحة أمامها وحاجاتها، سوى خطوة ممهّدة لإجراء آخر سيليها في ضوء نجاح تجربتها، هو إحياء جلسات الهيئة العامة لمجلس النواب. بحسب المطّلعين على موقف برّي، فهو مصرّ على إخراج البرلمان من دوامة الفراغ الذي يتخبّط فيه، وقد بات مقتصراً على جلسات غير مجدية لانتخاب رئيس للجمهورية. يأخذ رئيس المجلس في الاعتبار تلويح الكتل المسيحية كالتيار الوطني الحر وحزبَي القوات اللبنانية والكتائب وبعض المستقلّين بمقاطعة أي جلسة اشتراع للبرلمان قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ما يُجرّد انعقاده في غيابهم عن ميثاقية ما يصدر عنه. في فحوى الجهود الأخيرة لبرّي أن 18 نائباً مسيحياً أخطروه باستعدادهم لحضور أي جلسة يُدعون إليها.
رابعها، تبدو النزاعات والانقسامات الداخلية تدور من حول باسيل الذي رفع منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ثلاثة فيتوات أقرب الى لاءات ثلاث دفعة واحدة، كانت كافية لجعل السلطات الدستورية الثلاث في حكم المعطّلة: لا لترشيح سليمان فرنجية ولا لاجتماع حكومة تصريف الأعمال ولا لانعقاد مجلس النواب للتشريع. بينما اتخذ الفيتو الأول بعداً سياسياً متداخلاً بدوافع شخصية، يبدو صاحبه وحيداً في الفيتو الثاني، ومحاطاً بالكتل المسيحية ـ دونما أن ترغب أو تشاء ـ في الفيتو الثالث الذي يجعلها متقاطعة معه في إيلاء انتخاب الرئيس ما عداه، وتالياً مقاطعة اجتماعات البرلمان. بذلك يتصرّف باسيل كأنه في مواجهة الجميع وقادر على امتلاك زمام المبادرة. لذا عنى تحديد الاثنين موعد انعقاد الحكومة أولى محاولات كسر حلقة الحصار من حول المؤسسات الدستورية.
خامسها، وقد يكون بالفعل مكمن اللغز، هو موقف حزب الله من الفيتوات الثلاثة تلك. يتقاسم الحزب مع باسيل، ناهيك ببرّي، لعبة الأوراق البيض في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بحيث تبدو هذه كتلة متراصة مسيطراً عليها بسهولة بدليل محافظتها على الحد الأدنى من الأصوات البيض التي تحوزها. بيد أن التقاسم هذا يضمر تناقضاً عميقاً بين الثنائي الشيعي الذي يدعم ترشيح فرنجية، وباسيل الذي يرفضه ولا يكتفي بمعارضته. لم يفضِ هذا التعارض بعد الى خلاف علني صعب بين الحزب والتيار كما لو أن البتّ الفعلي في مصير ترشيح الزعيم الزغرتاوي مؤجّل الى وقت غير معروف، فيما المواجهة مكرسة حالياً على إهدار الوقت بالأوراق البيض.
منذ ما قبل نهاية ولاية عون، إبّان الجهود المتعثرة لتأليف حكومة، اختفى حزب الله من صدارة الأحداث ما خلا اتصالات خجولة لم يرمِ منها الى حسم الخلافات. مذذاك يتخذ موقف المتفرج دونما أن يخبّئ انحيازه الى باسيل عندما قال نواب في الحزب إنهم لا يشجعون على التئام حكومة تصريف الأعمال في مرحلة الشغور الرئاسي. كذلك تقبّل الحزب على مضض الانتقادات التي صوّبها إليه باسيل، وتحديداً نحو ترشيح فرنجية وسلّم بإرباكه له. الآن، على أبواب جلسة الاثنين، أضحى أمام استحقاق غير مؤجل. مشاركة وزيرَيه في حكومة تصريف الأعمال لا توفر نصاب ثلثَيها فحسب للالتئام، بل توجّه رسالة سلبية الى باسيل بعدم مجاراته تعطيل الجلسات وإن لدوافع ملحّة أو استثنائية.
نقولا ناصيف - الأخبار