أججت تهديدات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بشن عمل عسكري على إيران التوترات القائمة بالفعل في المنطقة، كما أثارت المخاوف من اندلاع حرب أوسع نطاقاً، وبينما يتوقع مراقبون أن الخيار العسكري ضد طهران هو الأقرب وفق المؤشرات الحالية، حذرت الأخيرة مجموعة دول بينها العراق "من أنهم قد يكونون في مرمى النيران إذا تورطوا في ذلك".
وتتبع الولايات المتحدة الأميركية وإيران في الوقت الحاضر إستراتيجية يصفها رئيس مركز التفكير السياسي وأستاذ الدراسات الإستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، إحسان الشمري، بـ"حافة الهاوية"، برفع سقف التهديدات المتبادلة بهدف الضغط على الدولة الأخرى.
لكن هذه الضغوط، قد لا تمنع من حصول احتكاك أو ضربة أميركية تجاه إيران، بحسب الشمري، "خصوصاً وأن طهران لم تعلن موافقتها على الاشتراطات الأميركية في الملف النووي والأسلحة والأذرع والنفوذ في المنطقة لحد الآن".
وتوقع الشمري، أن لجوء ترامب إلى الخيار العسكري هو "الأقرب" وفق المؤشرات الحالية والتحشيد العسكري واللقاء السريع بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وعودة هجمات حماس، إلى جانب استمرار الهجمات الأميركية على الحوثيين التي اعتبرها الشمري "رسالة لإيران وحلفائها في المنطقة".
ويعزو الشمري احتمالية لجوء ترامب للخيار العسكري، إلى أن الرئيس الأميركي يسعى إلى تحقيق "انتصارات سريعة" بعد عدم تحقيق تقدم في قضية السلام بين روسيا وأوكرانيا حتى الآن، وكذلك في الحرب الإسرائيلية مع حماس ومع إيران، لذلك يعتقد ترامب أن هذا الخيار سوف يدفع طهران إلى طاولة المفاوضات بدون اشتراطات.
رسائل تحذيرية
ومع التلويح الأميركي بالخيار العسكري أرسلت إيران رسائل تحذير للعراق والكويت والإمارات وقطر وتركيا والبحرين، من أن أي دعم لهجوم أميركي على إيران، بما في ذلك استخدام الجيش الأميركي المجال الجوي أو أراضي هذه الدول أثناء الهجوم، سيعد عملاً عدائياً، وفق ما أفاد به مسؤول إيراني كبير لوكالة "رويترز".
وقال المسؤول الإيراني، الأحد، إن بلاده تعارض مطالب أميركية بعقد مفاوضات مباشرة بشأن برنامجها النووي أو التعرض للقصف، وتحذر جيرانها الذين يستضيفون قواعد أميركية من أنهم قد يكونون في مرمى النيران إذا تورطوا في ذلك، مضيفاً، أن المرشد الأعلى علي خامنئي وضع القوات المسلحة في حالة "تأهب قصوى".
وتأتي هذه الرسائل التحذيرية "نظراً لوجود تجربة سابقة باستخدام الجش الإسرائيلي الأراضي الأردنية لإطلاق الصواريخ تجاه إيران"، بحسب مدير مركز الرؤية الجديدة للدراسات والإعلام في طهران، مهدي عزيزي، فهي "رسالة بأن إيران لن تسمح بانتهاك سيادتها، وسوف ترد على الهجوم، ولن تقف مكتوفة الأيدي"، يقول عزيزي.
وينوّه خلال حديثه لشفق نيوز، إلى أن "هذه الرسائل التحذيرية هي للحكومة الأميركية وليست للدول العربية، بل نعلم أن العراق له دور في محور المقاومة، وحكومته وشعبه لن تسمحان باستخدام الأراضي العراقية لانتهاك السيادة الإيرانية".
لكن رغم ذلك، يضيف عزيزي، أن "في الداخل العراقي هناك بعض التيارات السياسية المنتمية للتيار الأميركي، ويطالبون بما يتفق مع السياسة الأميركية بالتخلي عن محور المقاومة بذريعة إبعاد العراق عن ساحة الحرب، وهؤلاء عليهم التفكير مرة أخرى".
ويعتقد عزيزي، أن "التهديدات الأميركية تأتي في إطار مناورة سياسية من أجل إعادة طهران إلى طاولة المفاوضات تحت النار بشروط مسبقة، منها تخلي إيران عن دورها الإقليمي في الدفاع عن محور المقاومة، وكذلك التخلي عن قدراتها العسكرية والصاروخية".
وعن ما أثاره عزيزي بشأن وجود تيارات سياسية داخل العراق تتفق مع السياسة الأميركية تجاه إيران، يوضح عضو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب العراقي، مختار الموسوي، أن "كل جهة سياسية من المشكلة للحكومة العراقية لديها رؤى واتجاه مختلف، في وقت ليس بيد العراق السماء والواردات المالية".
بل يزيد الموسوي، بأن "الحكومة العراقية والسياسيين العراقيين يفتقدون للرؤية الاستراتيجية للسنوات المقبلة، فهم ينظرون إلى يومهم فقط، لكن تبقى مسألة الوقوف بعزم أمام ترامب أفضل، وهذا ما قد يضطره في النهاية إلى التنازل عن تصعيده كما حصل في تجارب سابقة".
"عدم اتضاح الرؤية"
وتسود المنطقة حالة من عدم الاستقرار ليس ما بين إيران والإدارة الأميركية فقط، بل في غزة وسوريا ولبنان، حيث هناك مناطق قابلة للتحول إلى قلق كبير في ظل إشارات على ضربات عسكرية إسرائيلية وأميركية محتملة تجاه إيران، وعودة التوتر الإسرائيلي مع لبنان، إضافة إلى ذهاب غزة إلى مزيد من التصعيد وغياب أي فرصة لعودة إطلاق النار.
أفاد بذلك وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح المعايطة، مبيناً أن "هناك حالة من الحيرة والترقب ليس لدى المراقبين فقط بل لدى دول المنطقة، وحتى الملفات التي كنا نعتقد أنها ذاهبة للهدوء مثل سوريا، فإنها ذهبت إلى مسارات توتر مختلفة داخلية وخارجية".
ويرى المعايطة، أن "آفاق التوتر تزداد وتتوسع، وأن ملف إيران مرشح للانتقال من التوتر السياسي إلى ما هو أكبر".
وهذا يعود إلى ما يسعى إليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بـ"فرض شروط قاسية تهدف إلى تفكيك برنامج طهران النووي بالكامل، وهو ما يراه المسؤولون الإيرانيون تهديداً مباشراً لسيادتهم الوطنية وحقهم في تطوير التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية"، وفق الباحث التركي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إسلام أوزكان.
ويعتقد أوزكان، أن "التهديدات العسكرية الأميركية والإسرائيلية قد تجبر إيران على التراجع، وقبول المفاوضات المباشرة، وربما تقبل بذلك حتى دون رفع العقوبات، حيث إن الولايات المتحدة وحلفاءها وجهوا ضربات كبيرة لإيران وحلفائها في لبنان وفلسطين في الفترات الأخيرة".
لكن في الجانب العسكري، أكد مسؤولون في الحرس الثوري الإيراني، أن بلادهم مستعدة للرد على أي هجوم محتمل بـ(ضربات صاروخية مدمرة تستهدف القواعد الأميركية في المنطقة وإسرائيل)، وهذا بحسب أوزكان، "يعكس استراتيجية إيران في الردع، حيث تعتمد على ترسانتها من الصواريخ الباليستية للحفاظ على توازن القوى".
ويرى أوزكان، أن "إيران قد تستخدم المفاوضات كأداة لكسب الوقت، مع الحفاظ على قدراتها النووية كضمانة ضد التهديدات الخارجية، كما ستسعى طهران لاستغلال الانقسامات الدولية خاصة بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين، لتعزيز موقفها التفاوضي".
ويبدو أن إيران - وفق أوزكان - ستتبنى نهجاً مزدوجاً، بـ"رفض الخضوع للشروط الأميركية القاسية مع إبقاء قنوات التواصل مفتوحة لتجنب التصعيد العسكري. لكن مع تعزيز الوجود العسكري الأميركي في المنطقة واستعداد إسرائيل للتحرك، فإن أي خطأ في الحسابات قد يشعل مواجهة كارثية، وهو ما تحاول طهران تفاديه مع الحفاظ على كرامتها الوطنية".