لبنان

حراك سريّ.. ومرحلة غير مسبوقة من الفوضى!

حراك سريّ.. ومرحلة غير مسبوقة من الفوضى!

منذ ان أعلن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في أعقاب جلسة مجلس الوزراء الاولى يوم الاثنين الماضي إن الأزمة الحقيقية ليست بينه ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بل انها مع "مشغليه" فإنه من الخطأ الجسيم القول إن هناك بوادر فتنة مارونية - سنية . وإن صدق باسيل في توصيفه فإن "مشغل" ميقاتي ليس سنيا. ذلك أن الجميع يدرك ان استغراب باسيل من سقوط "الوعد الصادق" قد وضع الازمة في مكان آخر قد يقود الى فتنة مارونية - شيعية. وهو ما ترجمته البيانات المتبادلة بين العلاقات الاعلامية في "حزب الله" ونظيرتها اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار الوطني الحر، بما حملا من مؤشرات ودلائل تستحق التوقف عندها والتمعن في مضمونها .

وإن كانت ردة الفعل السنية، بما جاءت به من تعبئة مذهبية على المستوى الأرفع منذ سنوات عدة، أعقبت الحديث عن حال من "الاحباط السني" لم تكن في محلها على الإطلاق، فان السعي الى توفير الدعم لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي يعد مغامرة غير محسوبة النتائج. فأيا كانت الظروف التي قادت الى مبادرته الاخيرة بالدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء في ظروف ملتبسة لا يمكن تفسيرها سوى على قاعدة "انصر أخاك ظالما كان ام مظلوما". فإن لجوء الرئيس السابق للجمهورية العماد ميشال عون الى بكركي من اجل ان "يستودع غبطة البطريرك الوضع الحالي" يكون قد عبر عن ردة فعل تتجنب ميقاتي والطائفة السنية لتطال إداء حزب الله بعدما تحدث بعبارات قليلة عن "حقوق غير مصانة" معتبرا ان ما حصل يشكل "ضربا للميثاق والدستور".

على هذه الخلفيات، قالت مصادر سياسية محايدة عبر "المركزية" بأن ما شهدته البلاد في اليومين الماضيين يترجم بشكل دقيق لعبة "البليارد" في زمن المونديال. فاتهام رئيس التيار البرتقالي لميقاتي بالاستقواء بدعم "الثنائي الشيعي" بعد ساعات قليلة على الجلسة الحكومية، ليس سرا وقد تم كشفه، ولكنه ارتد عليه أيضا، عندما لجأ ميقاتي الى السلاح نفسه باشارته الواضحة والصريحة من منصة معرض الكتاب ليذكر منتقديه بالزمن الذي كان يتمتع فيه بمثل هذا الدعم وعدم قدرة احد على مواجهته.

وعدا عن هذه المعادلة فقد ادى التراشق الى فتح نافذة جانبية سلبية اصابت في الصميم العلاقة بين التيار وحزب الله. ولما هدأت على جبهة ميقاتي - باسيل اشتعلت مواجهة أخرى على جبهة ميرنا الشالوحي - الضاحية الجنوبية تحت سقف المراجع الإعلامية لديهما وعبر وسائل التواصل الاجتماعي على الرغم من المساعي التي بذلها العقلاء لوضع حد لها والتأكيد على اهمية إبقاء اي حوار بينهما، مهما بلغت حدته تحت الأرض وضمن الجدران المقفلة منعا لأي انعكاسات قد تمتد الى مرحلة يصعب بعدها اعادة ترميم ما يمكن ان تؤدي اليه.

وبناء على ما تقدم، تضيف المصادر عينها في قراءتها لمستقبل التطورات بان الايام المقبلة ستشهد حراكا سريا لن يرصده أحد لاعادة وصل ما انقطع ولتبقى الأمور محصورة بما جرى حتى اليوم والتخفيف من أضراره قدر الامكان الى حين العبور من هذه المرحلة الى أخرى على أمل التفاهم على الخطوات اللاحقة. مع احتساب الصعوبات التي يمكن ان تواجه اي وسيط ما لم يدفع آخرون مستفيدون منه الثمن الذي يرضي رغبة الطرفين بوجود "كبش محرقة"، وهو ما يستدعي تراجعها خطوات الى الوراء ايا كان حجم الضحايا الذين سيدفعون الثمن من الحلفاء وحلفاء الحلفاء بعد ان كبرت اللائحة المرشحة لضمهم اليها، هذا ان لم تحصل الفرقة النهائية ليتجرع الطرفان نتيجتها اثمانا مثل هذه الخطوة ومعهما البلد.

وعليه، تقول المصادر انه سيكون على اللبنانيين الاستعداد لمرحلة غير مسبوقة من الفوضى السياسية والدستورية ما لم تكن هناك بدائل جاهزة للتعويض عن خسائر الطرفين. وهو امر لم ترصده المراجع المعنية بعد، وما زال يلفه غموض قاتل وكبير. إلا ان هناك من يراهن على مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري بدعوته الى الحوار من اجل تدارك النتائج المترتبة على أي انقسام حاد ليس أوانه، وخصوصا ان الساحة اللبنانية لا تحتمل خضات كبيرة لأنه لن يكون هناك طرف على لائحة المستفيدين منها.

وعليه هل يعقل بأن ما يحذر منه بري في دعوته الى الحوار والتشاور قد يؤدي الى صحوة مبكرة قبل وقوع الأسوأ. وان استوعب اللبنانيون مثل هذا السيناريو من المفترض ان يقدم الجميع الكثير من التضحيات التي يمكن ان تؤدي الى التلاقي والتفاهم على مواصفات الرئيس الجامع الذي يستطيع ان يعيد جمع من تفرقوا وانقسموا على قاعدة يحاول المجتمع الدولي ان يشربها للبنانيين بحديثه عن ضرورة ان "يساعدوا انفسهم قبل ان يطلبوا مساعدة الآخرين من زوايا العالم كافة القريبين منهم و الأبعدين".

وبناء على ما تقدم تبدو لعبة "البليارد" الجارية تستنسخ في محطات منها لعبة "الروليت الروسية" التي لا يمكن تحديد من سيكون ضحية الرصاصة الوحيدة التي يمكن ان تفجر رأس أي منهم بطريقة مسبقة وهو ما يترك علامات استفهام كبيرة إزاء ما هو متوقع من أحداث. 

طوني جبران - المركزية

يقرأون الآن