في قلب الجنوب العراقي، حيث التاريخ ينبض بين أزقة ذي قار العتيقة، يطفو على السطح جرح لا يندمل. جرح اسمه السرطان. هناك، حيث لا تزال آثار الحروب تأبى الرحيل، مخلفة وراءها إرثا مشعا ينهش أجساد الأبرياء بصمت قاتل.
رئيس لجنة الصحة في مجلس محافظة ذي قار، أحمد الخفاجي، أطلق صرخة تحذير عبر "بغداد اليوم"، كاشفا عن تراكم "خطير ومخيف" في معدلات الإصابات السرطانية التي باتت ترتفع عاما بعد آخر، في محافظة تعد الرابعة من حيث الكثافة السكانية على مستوى العراق.
الخفاجي أرجع هذا التصاعد إلى كوارث خلفتها الحروب، وبالأخص استخدام الأسلحة المحرمة دوليا منذ عام 1991، التي زرعت في أرض المحافظة موادا مشعة، تحولت إلى سموم صامتة تنمو في التربة والهواء، وتحصد الأرواح دون ضجيج.
وأشار إلى أن "مركز الأورام في المحافظة سجل أكثر من 8 آلاف إصابة، وهو رقم لا يعكس الحقيقة كاملة، فالكثير من المرضى لا يعلمون بإصابتهم بسبب غياب ثقافة الفحص المبكر، وتردد السكان في الخضوع للفحوصات الدورية".
وسط هذا المشهد القاتم، دعا الخفاجي إلى "دعم استثنائي لمراكز معالجة الأورام، وإلى تبنّي استراتيجية شاملة تسهل إجراءات الكشف المبكر، لعلها تفتح نافذة أمل للنجاة، في معركة يخوضها أبناء ذي قار بصبر لا يقهر، تحت سماء مثقلة بذكريات الحرب وآثارها التي لم تنتهِ بعد.
محافظة ذي قار، الواقعة في جنوب العراق، تعد واحدة من أكثر المحافظات تضررا من الحروب والصراعات التي عصفت بالبلاد منذ تسعينيات القرن الماضي.
وبرغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على حرب الخليج الثانية، لا تزال آثارها المدمرة تتغلغل في البيئة، حيث تؤكد العديد من الدراسات والتقارير أن استخدام الأسلحة المحرمة دوليا، ومنها اليورانيوم المنضب، أدى إلى تلوث التربة والمياه والهواء، ما ساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية.