تحل في الـ 26 من نيسان من كل عام الذكرى العشرين لخروج الجيش السوري من لبنان من بوابة المصنع الحدودية وغيرها من المعابر البرية بين البلدين العام 2005، بعد انتشار عسكري بدأ تحت ستار قوات الردع العربية في 1976، ثم استمر بحكم الأمر الواقع بشعار ضروري وشرعي ومؤقت، وتكرس في اتفاق الطائف تحت هذا المسمى، إلا أنه انتهى فجأة بعد 29 عاما جراء تداعيات اغتيال رئيس الوزراء الشهيد رفيق الحريري في 14 فبراير 2005.
كثيرون اعتقدوا أن الجيش السوري سيبقى في لبنان فترة أطول، ربما إلى الأبد، وفقا لشعارات الولاء التي كانت ترفع في سورية للنظام السابق. إلا ان الأمور تبدلت، وخلت النقاط العسكرية والمقرات الأمنية السورية في غضون أيام من كل شيء، وبقيت الشعارات على الحيطان والمنازل التي سكن غالبيتها عنوة أفراد الجيش العربي السوري وأجهزة مخابراته وفق "الأنباء الكويتية".
مقرات ارتبطت أسماؤها بمراكز اعتقالات، أو بمكاتب مراجعات في ملفات مفقودي الحرب اللبنانية. وتردد ووثق بشهادات حية أن أموالا كثيرة دفعت من قبل الأهالي للحصول على معلومات خاصة بالمفقودين، أو حتى على أمل تنظيم زيارات حصلت بعضها لمعتقلين من قبل الأجهزة الأمنية السورية، أو لمحكومين لبنانيين في السجون السورية، إلا ان أيا من المفقودين في الحرب الأهلية اللبنانية لم يعد، وكذلك لم يتم التمكن من التواصل معه. وبقيت الوعود أمواجا تتقاذف الأهالي خصوصا الأمهات، وآخرهن غابت وتركت مقاعد انتظارها في حديقة جبران خليل جبران بساحة رياضة الصلح وسط بيروت قرب مبنى الإسكوا. تركتها لمعلومات لن تصل، ولملف لم يقفل.
واقتصرت العودة من السجون السورية بعد سقوط النظام، على سوري من الطائفة المسيحة نال وعائلته في بلدة شكا الساحلية البترونية الجنسية اللبنانية أثناء اعتقاله. وكان ينفذ حكما بالسجن المؤبد، وخرج منه بعد فتح أبواب الحرية.
في المحصلة الانسحاب العسكري السوري حصل وخرج آلاف الجنود، إلا أن العودة السورية تكرست من بوابة أخرى بعدها، وأطلق على العابرين للحدود اللبنانية إسم النازحين، من الهاربين من الحرب الداخلية. ولم يتوقف توافد النازحين حتى بعد سقوط النظام في الثامن من ديسمبر 2024. البعض استقر في لبنان، والبعض الآخر قصد أوروبا من بوابة البحر فيما أطلق عليه اسم قوارب الموت. فيما أفاد قسم لا بأس به من الحصول على هجرة شرعية إلى بلدان أوروبية عدة، بينهم عمار ابن درعا الذي أمضى 35 سنة في لبنان، وانتهت بخسارة أمواله وضياع جنى عمره بعد تدمير المنزل المؤلف من ثلاث طبقات في بلدته السورية، عقب انطلاق شرارة الاحتجاجات الأولى ضد نظام الرئيس السابق بشار الأسد.
حصل عمار على هجرة إلى اسبانيا، وودع أهالي بلدة الخنشارة المتنية التي استقر فيها، وعرفه أهلها من بوابة العامل الكهربائي المسؤول عن مولد البلدة لدى المعلم جورج.
بين لبنان وسورية حيطان عمار عدة لجهة قواسم مشتركة وعادات وتقاليد وتداخل أراض. وبينهما كذلك خلافات عدة تعود إلى التدخل العسكري السوري في لبنان، وردة الإجر من حزب الله بالتدخل في الحرب الداخلية السورية، وصولا إلى خلافات حدودية في البقاع الشمالي حاليا بلغت حدود المواجهات العسكرية.
في يوم الانسحاب التاريخي، أنشطة من التيار الوطني الحر احتفالا بالمناسبة، والتي وصفها البعض بجلاء آخر الجيوش الاجنبية عن الأراضي اللبنانية (في 2005)، قبل عودة الاحتلال الإسرائيلي إلى الداخل اللبناني جنوبا، بعد الحرب الإسرائيلية الموسعة بين 20 سبتمبر و27 نوفمبر 2024، والتي لم تتوقف حتى كتابة هذه السطور، رغم التزام الجانب اللبناني، التزاما بدا أحاديا.
في يوم الانسحاب أيضا بقايا شعارات على منازل حل فيها الجنود السوريون ضيوفا غير مرغوب فيهم، وبقيت شعارات وآثار حروق على جدرانها الملبسة بالحجر الصخري. رحل العسكر وبقيت الحجارة وأطلال منازل كانت محتلة، وبقي البلد بحسب "الأنباء الكويتية".