سوريا

ماذا وراء إعلان رامي مخلوف تشكيل قوة عسكرية؟

ماذا وراء إعلان رامي مخلوف تشكيل قوة عسكرية؟

أطلق رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام المخلوع بشار الأسد، إعلاناً مطولاً ومثيراً للجدل، تضمن تشكيل ما سماه "قوات النخبة"، التي قال إن تعدادها يقارب 150 ألف مقاتل مع قوة احتياطية مماثلة، لكن من حيث الجدية، أثار إعلان مخلوف تشكيل قوة بهذا الحجم شكوكاً واسعة، سواء من حيث الإمكانات اللوجستية أو السياسية أو حتى مدى قدرته الحقيقية على تحريك هذا العدد من العناصر، إذ لا توجد مؤشرات واقعية تثبت حتى الآن وجود كيان عسكري بهذا الحجم يرتبط به.

ويعزز ما سبق الانطباع بأن خطاب مخلوف أقرب إلى استعراض إعلامي يرمي إلى الضغط السياسي أكثر من كونه إعلاناً عن قوة جاهزة على الأرض. ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن مخلوف يملك تاريخاً من النفوذ المالي والاجتماعي، لا سيما في الساحل السوري الذي يحاول استثارة مشاعره من خلال استحضار "المجازر" والحديث عن "حق الدفاع عن النفس".

على مستوى الرسائل السياسية، عمل مخلوف على تمرير عدة رسائل متقاطعة عبر منشوره، أولها تحميل بشار الأسد مسؤولية مباشرة عن "تدهور سوريا وسقوطها"، وثانيها تقديم نفسه كبديل وطني حريص على المصالحة والتنمية، وثالثها محاولة استرضاء الروس بإعلان استعداده لوضع إمكانياته تحت إشرافهم المباشر. كما تضمن بيانه تلميحات إلى أنه لا يمانع في التواصل مع حكومة دمشق إذا كانت الغاية "حماية الإقليم الساحلي" وتوفير الأمن، في خطاب مزدوج يجمع بين المواجهة والانفتاح.

ماذا جاء في إعلان مخلوف؟

أعلن رامي مخلوف تشكيل قوات مسلّحة جديدة تحت مسمى "قوات النخبة"، زاعماً أن تعدادها يبلغ 150 ألف مقاتل مع قوة احتياطية مماثلة، إضافة إلى لجان شعبية تضم نحو مليون شخص.

وجهاء بستان الباشا يرفضون منشور رامي مخلوف

أصدر وجهاء وأهالي قرية بستان الباشا، مسقط رأس رامي مخلوف، بياناً رافضاً للرسائل والمنشورات الصادرة عنه، مؤكدين أن ما يصدر عن أي شخص فرّ خارج البلاد "لا يمثلهم ولا يعبر عن من ينتمي لتراب هذا الوطن"، بل يعبر فقط عن "أطماع قائله بدور يستجديه حتى لو تسبب بمزيد من الأذى والجروح لأبناء الساحل الطيبين الشرفاء".

وجاء البيان عقب اجتماع عقده وجهاء القرية، حيث أكدوا رفضهم القاطع لأي طرح يؤدي إلى تفكك وحدة سوريا أرضاً وشعباً، وتمسكهم بالسلم الأهلي والإرادة السورية الخالصة.

ونشر مهيار بدرة، من وجهاء قرية بستان الباشا وعضو لجنة السلم الأهلي في المنطقة، البيان الذي جاء فيه أن أهالي القرية المقيمين فيها، ومن ضمنهم آل مخلوف، شاركوا في صياغة البيان الرافض لأي منشور صادر من الخارج يسبب مزيداً من الأذى لأبناء الساحل.

وشدد البيان على التزام أهالي بستان الباشا بتحقيق السلم الأهلي ووحدة سوريا أرضاً وشعباً، مؤكداً أن موقفهم هذا ثابت "سواء كان المنشور الذي تم تداوله مزيفاً أو حقيقياً، كائناً من كان مصدره".

ما دوافع رامي مخلوف؟

اعتبر الباحث في الشأن الأمني والسياسي عبد الله النجار أن رسالة رامي مخلوف الأخيرة تمثل تحريضاً واضحاً على إشعال أعمال عنف جديدة في الساحل السوري، مشيراً إلى أن توقيت الرسالة ومضمونها يعكسان مستوى من "قلة الحياء والفظاظة"، بحسب وصفه، إذ يتفاخر مخلوف بمشاركته في دعم النظام المخلوع طوال السنوات الماضية إلى جانب شخصيات مصنفة كمجرمي حرب مثل سهيل الحسن.

وأوضح النجار أن رامي مخلوف كان أحد أبرز الداعمين لعصابات النظام خلال فترة الحرب، مستفيداً من ثرواته ورؤوس أمواله في الالتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على الأسد، مشيراً إلى أن عائلة مخلوف، وعلى رأسها والده محمد مخلوف، لعبت دوراً محورياً في سرقة الاقتصاد السوري على مدار خمسين عاماً.

وأكد أن هذه الرسالة لم تصدر عن عبث، بل تأتي في سياق محاولات مخلوف للعودة إلى الواجهة، بعد أن كان والده أحد أعمدة الحكم إلى جانب بشار الأسد وعائلته.

مخلوف متورط في تمويل أحداث الساحل

ولفت الباحث إلى أن حديث مخلوف عن تشكيل 15 فرقة بعدد يقارب 150 ألف مقاتل، إضافة إلى قوة احتياطية مماثلة ومليون شخص من اللجان الشعبية، يمثل محاولة مكشوفة لتزعم العلويين وتقديم نفسه كـ"وجه سياسي" للطائفة في مواجهة الحكومة، مشيراً إلى أن رامي مخلوف يحاول الإيحاء بأنه سيحمي العلويين ولن يدخل في أي تسوية مع السلطة قبل ضمان مصالحهم، وهو خطاب يتقاطع بشكل غير مباشر مع الطروحات الفيدرالية التي بدأت بالظهور مؤخراً في المشهد السوري.

وحذر النجار من خطورة تجاهل هذه التحركات، مبيناً أن بعض المعلومات التي انتشرت مؤخراً تتحدث عن محاولات لإثارة الفوضى في الساحل السوري، وأن الدولة اضطرت لنشر قوات إضافية لحفظ الأمن هناك، معتبراً أن رامي مخلوف لا يمتلك القدرة الذاتية على التنظيم أو قيادة هكذا عمليات معقدة، بل يعتمد على المال لربط بعض المجموعات الصغيرة، مؤكداً أن هناك دولاً إقليمية تدفع نحو استغلال هشاشة الوضع السوري، وأن مخلوف ليس إلا "واجهة لأجندات خارجية" تتحرك في الخفاء عبره.

"تخريف ولعب في الوقت بدل الضائع"

رأى الصحفي علي عيد أن المنشور الذي أطلقه رامي مخلوف يأتي في إطار السعي لتقسيم المجتمع السوري وإعادة إنتاج الاصطفافات الطائفية، لكنه شدد على أن الغالبية العظمى من أبناء الطائفة العلوية لا يعيرون أي اهتمام لما جاء في كلام مخلوف.

واعتبر عيد في لقاء مع تلفزيون سوريا أن الطائفة العلوية قد تم استغلالها طوال عقود من قبل عائلة الأسد، وتم الزج بها في صراعات لا تعبر عن مصالحها الحقيقية.

ولفت الصحفي إلى أن هناك معلومات تفيد بأن صفحة فيسبوك التي يستخدمها رامي مخلوف كانت قد أُسست في البداية لمصلحة ماهر الأسد عام 2012، قبل أن تُنقل لاحقاً إلى اسم رامي مخلوف في عام 2015، ما يعزز الشكوك بأن ما يحدث هو مجرد إعادة توزيع أدوار بين أجنحة النظام القديمة، ولعب "في الوقت بدل الضائع".

ووصف عيد إعلان مخلوف عن تشكيل 150 ألف مقاتل من "قوات النخبة" وقوة رديفة مماثلة، إضافة إلى مليون من اللجان الشعبية، بأنه "تخريف"، معتبراً أن الأرقام غير منطقية عسكرياً أو ديموغرافياً، وتشبه محاولات لشد عصب بعض المجموعات الهامشية أو الخلايا النائمة أو الأفراد المنعزلين المتبقين في الجبال وبعض المناطق.

"مخلوف لا يملك رصيداً"

رأى الباحث النجار أن رامي مخلوف لا يمتلك اليوم أي رصيد شعبي بين أبناء الطائفة العلوية، مشيراً إلى أن أبناء الطائفة يحملونه، إلى جانب بشار الأسد، مسؤولية الأوضاع المتدهورة التي يعيشونها. وأكد أن مخلوف، برأيه، شخصية سقطت منذ زمن ولم يعد لها وزن حقيقي في المجتمع.

وأوضح الباحث أن هناك مجموعات من الفلول بحاجة إلى دعم مادي، وقد تمكن رامي مخلوف، بتوجيه من جهة خارجية لم يسمها، من ربط هذه المجموعات ببعضها البعض، متعهداً بتقديم الدعم المالي لها. وأشار إلى أن هذه المجموعات قادرة على خلق بعض الفوضى لفترة محدودة، لكنها غير قادرة على إحداث تغيير استراتيجي واسع.

ولفت إلى أن هذه المرحلة المؤقتة قد تشهد مصادرة الأصوات الحرة بين أبناء الطائفة، على غرار ما حدث في مناطق شرقي الفرات، حيث يصعب على أي كردي سوري التعبير بحرية عن رأيه، متوقعاً أن يحاول مخلوف الظهور أمام السلطات كـ"وصي" على الطائفة العلوية.

وبيّن الباحث أن مخلوف، رغم نبرة التصعيد في بيانه، حاول في نهايته الإبقاء على "شعرة معاوية"، عبر دعوته إلى وساطة من "الأصدقاء الروس"، وتقديم نفسه كحلقة وصل بين العلويين والسلطات.

وختم الباحث بالتأكيد أن الطائفة العلوية، مثلها مثل باقي مكونات المجتمع السوري، تزخر بقامات ثقافية وفكرية ووطنية تتجاوز بكثير عائلة مخلوف، التي قال إنها تورطت في الفساد ونهب مقدرات السوريين لعقود طويلة، مؤكداً أن السوريين اليوم بحاجة إلى بناء مستقبلهم بعيداً عن أسماء ارتبطت بتاريخ من الدم والسرقة.

يقرأون الآن