استضافت قمة الإعلام العربي في دبي وزير الثقافة غسان سلامة، في جلسة حوارية بعنوان "الثقافة من اجل السلام والازدهار"، مع الإعلامية زينة اليازجي في حضور فاعليات سياسية رسمية عربية وشخصيات ثقافية وادبية واعلامية.
وتناول اللقاء دور الثقافة في المجتمع، الوضع في المنطقة والتطورات الحاصلة، واستهل سلامة الجلسة، ردا على سؤال عن أهمية الثقافة لفهم الهوية، بالقول: "إن الهوية مادة لزجة وليست صلبة، ويمكن لنا يوميًا اعادة ترتيب المكونات المتداخلة لهويتنا وفقا للابعاد المختلفة مثل المهنية، الوطنية والعمرية. وان التحديد الافضل للحرية في عالمنا اليوم هو حرية الفرد في اعادة صناعة هذه المادة اللزجة بحيث لا يفرض عليه اي مكون من مكونات هويته كمكون وحيد، فيتمسك بالتنوع في تركيب هويته وهذا التحديد للحرية هو ابن القرن الواحد والعشرين"، مشيرًا الى ان "الثقافة العربية كانت في ايامها الذهبية حاضنة لامكانية هذا النوع من التحديد، الا انه ما لبث ان استولت السياسة على الثقافة واخضعتها لاعتبارات السياسة القريبة".
واضاف: "ان الثقافة في لبنان تجاوزت الأزمات المالية والسياسية والاقتصادية لانها لم تكن آنذاك بيد الدولة، وما استمر ونجح من الثقافة اللبنانية هي التي انتجها المجتمع، وليس تلك التي رسمتها الدولة بقرارات من عندها".
وردا على سؤال عن اي ثقافة اليوم في ظل اوضاع غير مستقرة أمنيًا واقتصاديًا وهوية متصدعة؟، قال: "تاريخيًا عندما تسقط الايدولوجيات الكبيرة مثل الاشتراكية، القومية، الرأسمالية، وهذا ما حصل في القرن العشرين حيث يبحث الناس عن معايير جديدة تطمئنهم فيتمسكون اجمالا بالجوانب الصلبة من الثقافة وليس اللزجة. وهذا ما حصل. لذلك كنا لفترة طويلة من الزمن نخاف على الثقافة من السياسة، بتنا اليوم على العكس نخاف على السياسة من كثرة استعمال المعايير الثقافية في تفسير ما هو حاصل، هناك من يقول هذه حرب بين الحضارات (ثقافوي)، ومن يقول الثقافة هي كل شيء، وآخر يقول ما انا عليه من لون بشرة، من جنس، من وطن، من قومية اهم بكثير مما افكر به او مما اقوله. وهذا يعد نوعا من التراجع".
وتابع: "اذا وضعنا الاصول مكان الفكر او الموقف، فنحن نتراجع الى ما قبل عصر الانوار، علينا ان نُبقي على الا نعطي الاصول الثقافية لكل فرد منا هذا الوزن من الاهتمام، وان نعطيه انتباهًا اكثر لما يفكر به، لذلك انا لا اقول ان الثقافة هي دواء لكل مشاكلنا على الاطلاق، فانا منخرط في سياسة حكومة احترم، منخرط بكل نشاطاتها من اصلاح مالي واصلاح اقتصادي، من سياسة داخلية وخارجية وغير ذلك، لانه علينا ان نسعى للتعافي المتكامل حيث الثقافة هي احد العناصر وليس بالضرورة العنصر الطاغي".
وعن الوضع في المنطقة قال: "نحن في خضم التحول لكن هذه المرحلة لم تنته بعد، لأن الأسس التقليدية او المنصات للتفاهم بين ابناء المنطقة باتت عقيمة"، لافتا الى ما حصل مؤخرا في القمة العربية التي لم تعد اطارا مناسبًا لاحتضان التنوع العميق في الحالات العربية".
اضاف: "اليوم، وعندما يُنظر الى العالم العربي مشرقا ومغربًا وخليجاً وهلالا تكاد الفروقات في اجنحته المتعددة ان تصبح كبيرة لدرجة انه يصعب القول بوجود عالم عربي، لان الفروقات بين ابنائه مثل الفروقات الاقتصادية والاجتماعية، التقدم، الانفتاح على التكنولوجيا، كل هذه لم تعد نسبية بل باتت جذرية بحيث ان هذه الفروقات اكبر من اي بلد عربي مع محيطه غير العربي".
تابع: "هناك تحول في المنطقة، تحول في ميزان القوى، يوجد مربع يبدأ من شط العرب وينتهي بالمتوسط. هذا المربع الذي يسمى برأيي خطأً الهلال، تغيرت فيه موازين القوى خلال السنتين الماضيتين، لكن الوعي بجذرية هذه التغيرات لم يكتمل بعد، تغير الوضع في سوريا، وفي لبنان وفي العراق تغير الى حد ما وفي فلسطين تغير أيضًا، لاسيما مع مجزرة غزة. لكن كل هذه التغيرات لم تنتج برأي وعياً يناسب خطورتها، وبالتالي التحول ما زال قائمًا، والوعي ما زال متباطئًا، ونحن جزء من عالم وهذا العالم يتغير وربما التغيير العالمي هو اكبر محفزّ للتغيرات الإقليمية".
وردا على سؤال اعتبر سلامة ان "سوريا ما زالت في المرحلة الأولى من تحولها وهناك تغيير جذري في طبيعة السلطة، وفي تحالفاتها الإقليمية والاهتمام العالم بها، حيث يطرح العديد من الأسئلة، هل لدى السلطة الناشئة في سوريا الخطة المناسبة لاعادة بناءً الدولة على اسس جديدة؟ هل لديها القدرات التنفيذية للدفاع او المواجهة؟ هل هناك من شروط أو فاتورة ستوضع على طاولة القيادة مقابل الاحتضان العربي الذي لا يقدم شيئا مجانًا وقد يكون الضغط باتجاه تفاهم مع إسرائيل واشياء من هذا النوع".
واكد ان الحكومة في لبنان، تسعى لاهداف واضحة، اولها تنفيذ القرار1701 وتفاهم تشرين الثاني الماضي، ثانيًا التعافي المالي: والحكومة في مرحلة اصدار التشريعات اللازمة لاعادة انشاء نظام مصرفي قوي ولاعادة الدورة الاقتصادية وتأمين الشروط الامنية لعودة السياحة الى ما كانت عليه في السابق مصدر اساسي للرزق. وثالثًا وهو الاهم، إعادة الاعمار ونحن نسعى وبجدية لكن هناك عقبات كبيرة، اولها بقاء إسرائيل في 5 نقاط محتلة في جنوب لبنان وقيامها بعمليات رغم وقف اطلاق النار. نحن ساعون في موضوع التعافي الاقتصادي على امل ان يتأخر اصدقاؤنا في البرلمان اللبناني إنجاز تبني مشاريع القوانين التي ترسلها الحكومة اليهم لتسريع عملية التعافي المالي، ونحن جادون في عملية إعادة الاعمار".
ولفت الى ان "لبنان لم يعد الطفل المدلّل الوحيد الذي يجب اعادة اعماره، بل الشرق الأدنى بكامله يحتاج الى اعادة اعمار اليوم".
وقال: "لا يجب أن ندخل في حال تنافسية بين بعضنا للحصول على دعم خارجيّ لاعادة الاعمار, بل أن نفهم أن اعادة اعمار سوريا أو غزة تصبّ في مصلحة اللبنانيين والعكس صحيح".
وعن الوضع القائم في مصر ودورها في المنطقة قال سلامة: "ان الوضع في مصر يتميز بالذات في المعادلة القديمة - الجديدة المتفاقمة بين حجم السكان وقدرة الموارد الذاتية، ولكن لمصر موقع استراتيجي متميز. هناك نوع من تفاهم ضمني محلي وإقليمي وعالمي بانه لا يجب لمصر ان تنهار لان ضمان استقرارها ضمانة لقدر من الاستقرار في المنطقة"، وحذر "من الشعبوية، بخاصة في الدول الكبرى لانها تؤدي الى عدم الاستقرار".
وختم معربا عن "امله في جيل الشباب الذي يتمتع بقدر كبير من الواقعية حيث لمس ذلك من خلال تفاعله وتواصله معهم"، معتبراُ ان هذه "الواقعية لا تدفع بالضرورة الى السكون او التخلي عن مسؤوليات هذا الجيل بل تحثه الى تغيير الامور مما يدعو الى قليل من التفاؤل".