عربي

بسبب تباعد المواقف.. "هدنة غزة" مهددة بالفشل

بسبب تباعد المواقف..

فيما تواصل غزة نزفها تحت وطأة القصف الإسرائيلي المستمر، تسابق الدبلوماسية العالمية الزمن لإبرام هدنة تنهي القتال وتفسح المجال لمعالجة الكارثة الإنسانية المتفاقمة.

وبينما طرحت واشنطن مبادرة عبر مبعوثها الخاص ستيف ويتكوف، بدت الفجوة بين الأطراف أكبر من أي وقت مضى، ما ينذر بتبخر الآمال في التوصل إلى اتفاق وشيك.

الاقتراح الأميركي، الذي حمل صيغة لوقف إطلاق النار لمدة 70 يوما مقابل الإفراج المرحلي عن 10 محتجزين، لم يجد طريقه للتنفيذ رغم تجاوب حركة حماس بشروط محددة، ورفض إسرائيلي غير مباشر، في مشهد يكشف المأزق السياسي الذي يعطل أي تسوية.

الوساطة الأميركية.. مبادرة بطموحات كبيرة تصطدم بالواقع

المبادرة التي قدمها ويتكوف تضمنت عناصر عدة أبرزها وقف إطلاق النار المؤقت، انسحاب جزئي للجيش الإسرائيلي من القطاع، إدخال المساعدات الإنسانية، والإفراج عن أسرى فلسطينيين مقابل إطلاق رهائن إسرائيليين تحتجزهم حماس منذ السابع من أكتوبر.

البيت الأبيض كان يأمل أن تؤسس هذه الخطوة لتفاهم أكبر يقود إلى تهدئة طويلة الأمد، لكن تفاصيل الردود كشفت بوضوح أن المبادرة، رغم رمزيتها، ليست سوى اختبار أولي للنوايا.

حماس تبحث عن ضمانات.. ونتنياهو يستثمر الحرب سياسيا

أكد مدير مؤسسة "فيميد" الفلسطينية للإعلام، إبراهيم المدهون، أن حركة حماس تعاملت بجدية مع المبادرة الأميركية، لكنها اشترطت تعديلات تهدف إلى ضمان تنفيذ بنود الاتفاق وعدم التلاعب بالمراحل التنفيذية كما حدث في محطات تفاوض سابقة.

وقال المدهون خلال مقابلته أن": حماس لا ترفض مبدأ الهدنة، بل تتعامل بمرونة وواقعية. لكنها تريد تأمين التزامات واضحة، خاصة فيما يتعلق بانسحاب الاحتلال، وضمان تدفق المساعدات بشكل مستمر، والتزام واضح من واشنطن لا يمكن التراجع عنه".

ويرى المدهون أن موافقة حماس المشروطة تكشف "نزعة مسؤولة تجاه معاناة المدنيين"، لكنها أيضا تؤشر إلى قراءة استراتيجية ترى أن حكومة نتنياهو لا تسعى حاليًا لإيقاف الحرب، بل تعمل على تعميقها بهدف تحقيق مكاسب داخلية.

وفي تحليله للأجندة الإسرائيلية، قال المدهون: "نتنياهو يستخدم الحرب كورقة لتفكيك أي جبهة ضده داخليا. إنه يستثمر الدم الفلسطيني لتعزيز موقعه السياسي، وليس من مصلحته قبول هدنة تعيده إلى مربع الحسابات القضائية والضغوط الشعبية".

حماس تناور وإسرائيل ترفض التراجع

من جهته، قدم الدبلوماسي الأميركي السابق لينكولن بلومفيلد مقاربة مغايرة، إذ اعتبر أن حركة حماس، رغم تجاوبها الظاهري، تستخدم الهدنة "كورقة تكتيكية لإعادة التموضع، وليس من منطلق جدي للتسوية".

وقال بلومفيلد: "حماس لا تزال تحتفظ برهائن كورقة مساومة، وتطرح مطالب تصعب تلبيتها. إسرائيل ليست مضطرة للقبول بهدنة تمنح الحركة فرصة لإعادة بناء مواقعها وشرعيتها".

وأضاف: "الإدارة الأميركية تدرك صعوبة المشهد، لكنها تحاول فرض واقع جديد عبر الضغط المتزامن على الطرفين. ومع ذلك، فإن غياب الثقة، والانقسامات السياسية داخل إسرائيل، ومواقف حماس المتأرجحة، تجعل الوصول إلى اتفاق مستقر أمر بالغ الصعوبة".

ويعتقد بلومفيلد أن الوقت لا يعمل لصالح أحد، فكل يوم تتعاظم فيه الكارثة الإنسانية، تتراجع فيه فرص أي مبادرة، خاصة في ظل التصعيد الإعلامي والتحشيد السياسي المتواصل.

بين الميدان والدبلوماسية.. حسابات متناقضة

ما بين شروط حماس ومخاوف إسرائيل، تراوح المبادرة مكانها. ويبدو أن كل طرف يستخدم الهدنة كأداة سياسية لا كحل إنساني. ففي حين تطالب حماس بضمانات أميركية مباشرة، تصر إسرائيل على استكمال ما تسميه بـ"العملية الأمنية" شمال القطاع.

في هذا الإطار، يرى خبراء أن غياب المرجعية الدولية الموحدة، وافتقار الوساطة الأميركية للثقل الإقليمي المشترك، يجعلان من المبادرة الحالية أقرب إلى اختبار نوايا منها إلى مشروع تهدئة حقيقي.

الهدنة على مفترق طرق

رغم الزخم الدبلوماسي المتصاعد والمساعي الإقليمية والدولية لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة، لا تزال الحقيقة الميدانية تشير إلى أن الطريق نحو تهدئة دائمة محفوف بالتحديات.

فبين حسابات المقاومة الفلسطينية ومحددات الأمن الإسرائيلي، تتسع هوة الخلافات وتتعثر المبادرات.

التصريحات المتباينة بين الأطراف المعنية، كما برز في حديثي إبراهيم المدهون ولينكولن بلومفيلد، تكشف عن غياب رؤية موحدة تضمن توازن بين متطلبات الأمن والسيادة والعدالة الإنسانية.

وحتى تتقاطع المصالح الكبرى عند نقطة التهدئة الشاملة، سيبقى المشهد معلق على خيط رفيع بين التصعيد والاحتواء، وبين الانفجار المحتمل أو الانفراج المؤجل.

فهل تنجح الأطراف المعنية في تحويل الهدنة إلى اتفاق سياسي صلب، أم سنشهد جولة جديدة من العنف تحت وطأة الفشل في إدارة اللحظة الحرجة؟ الإجابة مرهونة بتطورات الأيام المقبلة، وبقدرة المجتمع الدولي على لعب دور الوسيط النزيه، لا الحكم المنحاز.

يقرأون الآن