منوعات

تأثرت بمتغيرات الحياة.. الموسيقى العراقية من الأصالة إلى "هز الأكتاف"

تأثرت بمتغيرات الحياة.. الموسيقى العراقية من الأصالة إلى

رغم ما تمتاز به الموسيقى العراقية، لكن، تأثرت كثيرا بتحولات المجتمع والحياة، وباتت عرضة للآثار السلبية، ما أفقدها الكثير من مميزاتها وشجنها ومقاماتها، وهذا التحول، وفقا لمتخصصين بدأ من تسعينيات القرن الماضي، حيث كان الهدف هو "التعبئة" قبل أن تصبح اليوم مهمتها "هز الأكتاف" فقط.

ويرتبط تاريخ العراق بإرث موسيقي يعود الى أزمان بعيدة، وتطورت الموسيقى خلال فترات مختلفة خاصة بعد دخول آلة العود وإضافة الوتر الخامس له، فضلًا عن تطور الايقاع والمقام العراقي.

ولعل فترة العشرينيات من القرن الماضي، كانت الأبرز، حيث شهدت ظهور العديد من المطربات، وفي فترة لاحقة رفد ملحنون مثل عباس جميل وناظم نعيم ومحمد نوشي وكوكب حمزة وجعفر الخفاف وطالب القرغولي، الموسيقى العراقية بألحان ما تزال عالقة للآن في الذاكرة.

تغيرات اجتماعية وسياسية

وتؤشر التحولات التي شهدتها الموسيقى العراقية جملة من التغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وفي جميع هذه التحولات تبقى الأنغام الحزينة علامة فارقة للموسيقى العراقية.

ويقول الموسيقار محمد الخزعلي، لشفق نيوز، إن "الأنغام الحزينة تعد من أهم سمات الموسيقى العراقية وتندرج ضمن الروحية المشحونة بالعواطف الحارقة للمجتمع، وهو ما نجده واضحاً في النغم العراقي من خلال المقامات مثل البيات والسيكاه واللامي والحجاز وغيرها".

ويضيف، أن "الموسيقى والأغنية العراقية شهدت تحولات كبيرة، وخير دليل ذلك هو ما انتجته بمرحلة السبعينيات من القرن الماضي التي امتازت بعذوبة الاصوات وحلاوة اللحن وجمال الكلمات، لدرجة ان الأغنية العراقية احتلت موقع الصدارة بين الأغاني العربية بعد مصر".

ويشير الخزعلي، إلى أن "الأغنية السبعينية احتوت على أهم مقومات وركائز الأغنية، من كلمات ولحن وتوزيع وصوت شجي، لكنها تراجعت بعد ذلك وانحرفت عن مسار الأطر اللحنية المدروسة وعن أصالة اللحن العراقي، فأنتجت كلمات تخدش الحياء، وفقدت المفردات المهذبة والبناء اللحني، ولم يتبق منها سوى الحان طائشة".

ويوضح، أن "الظروف الصعبة التي عاشها العراق والتحولات الحادة في البيئة الاجتماعية ساعدت على تردي الموسيقى وتراجعها، إلا أن ثمة ومضات موسيقية مشرقة لاتزال فاعلة، وهي المعول عليها في الحفاظ على اصالة الموسيقى العراقية، مثل الفرقة السمفونية وفرقة طيور دجلة بقيادة المايستروعلاء مجيد، التي تسهم بإعادة التراث الموسيقي بشكل جميل من خلال ما تقدمه من عروض، فضلا عن جهود نقابة الفنانين وجمعية الموسيقيين العراقيين ودورهما في تقديم نصوص لحنية عراقية ترقى إلى مستوى الذائقة".

إرث صوفي

وشهد القرن العشرين، ثورة موسيقية بعد تحدي ملحنين مثل إيجور سترافينسكي وأرنولد شوينبيرج النغمات والإيقاعات التقليدية، وظهرت موسيقى الجاز والبلوز والروك، والموسيقى الإلكترونية كأنواع تؤثر على المشهد الثقافي وتعكس التغيير.

وأدى ظهور التقنيات إلى إحداث ثورة في صناعة الموسيقى التي اصبحت متنوعة وتتأثر بالتكنولوجيا وبتنوع الثقافات، وأصبح إنتاج الموسيقى والوصول لها أكثر سهولة من أي وقت مضى بسبب الإنترنيت والمنصات الرقمية.

ويؤكد ناصر جمال، عضو الفرقة الموسيقية الوطنية، إن "موسيقى بلاد وادي الرافدين لها العديد من المميزات التي تجعلها مختلفة عن الالوان الموسيقية في جميع انحاء العالم".

ويضيف جمال، أن "المويسقى العراقية تمتاز بتنوعها الثقافي التراثي، ويعكس تعدد أشكالها هذا التنوع، ويرجع بعضها في الاصل الى المقام وموسيقى الريف، اضافة الى تعدد اشكال الايقاعات التي تقدم في العراق حصرا، كايقاع الجوبي والمربع والايقاع الجنوبي".

ويشير إلى أن "جميع هذه الايقاعات عراقية وغير موجودة في بلدان العالم، وان العراق يمتناز بإرث موسيقي ضخم هو بالأصل إرث صوفي"، مبينا أن "الموسيقى العراقية استمدت عناصرها من المعابد والأديان الموجودة في حضارة وادي الرافدين سابقا".

ويتابع، ان "الموسيقى العراقية شهدت تحولات وانعطافات كثيرة منذ الخمسينيات من القرن الماضي خلال انتشار المقام العراقي في الاغاني، وان من ابرز صناع الموسيقى العراقية بتلك الفترة، صالح الكويتي وداود الكويتي وهما شقيقان يهوديان كانا يعيشان في العراق".

ويتابع أن "جميع تلك الاغاني بتلك الفترة يعود اصلها الى المقام العراقي ايضا"، مضيفا أن "الموسيقى والاغنية العراقية شهدت خلال السبعينيات انعطافا وتغييرا جذريا بسبب دخول الاغنية الريفية الى الاغنية البغدادية، وتمتاز الحان تلك الفترة بالحزن والشجن".

ويستطرد أن " كل من طالب القره غولي ومحمد جواد اموري ومحسن فرحان هم اكثر الملحنين الذين رسموا ملامح الموسيقى واللحن السبعيني"، مؤكدا أن "تراجع الموسيقى والاغنية العراقية خلال حقبة الثمانينيات يعود إلى تحولها لخدمة النظام السياسي، اذ كانت معظم الالحان تعبوية باستثناء نماذج قليلة منها".

ويواصل حديثه، أن "الموسيقى والاغاني العراقية خلال التسعينيات كانت تحمل سمات خاصة"، داعيا الى "إعادة التوزيع اللحني لاغاني التسعينيات كونها شكلت تحولا مغايرا عن الفترات الاخرى".

هز الأكتاف

فيما يرى الناقد المختص بشؤون التراث والفلكلورعلي شبيب، أن "الموسيقى والالحان والاغاني في الوقت الحاضر تحاول الاستفادة من تقنيات التكنولوجيا، إلا انها لم تفلح في ضبط الايقاع الموسيقي واكتفت بتوزيع ألحان تساعد على هز الاكتاف وحسب".

وينوه شبيب، إلى أن "المفردات التي تصاحب الألحان تعكس الثقافة السائدة، وان كثيرين لم ينجحوا بإعادة توزيع الأغاني بل شوهوا الاصل، لان اعادة توزيع الالحان بمنظور حداثوي لديهم لم تكن مدروسة".

"ليس بوسع احد أن ينسى عذوبة الموسيقى واللحن العراقي الذي يختلف عن غيره من الالحان، اذ يتسم بعذوبة خاصة نابعة من البيئة العراقية المحضة"، يكمل شبيب.

الضجيج

الماسترو احمد عبد الجبار، وهو المدير الفني بمدرسة الموسيقى والبالية، يؤكد لوكالة شفق نيوز، أن "الموسيقى العراقية تمتاز بالأصالة وياخذ التراث حيزا كبيرا في انتاج الحانها، لكن اصبحت الآن تتسم بالضجيج، بعكس التحولات التي شهدتها بالفترات السابقة والتي كانت فيها المغايرة لاتخرج عن ثوابت الموسيقى الأصيلة".

ويوضح، "كانت الموسيقى في التسعينيات تختلف عنها في السبعينيات، لأن الايقاع اصبح اسرع من ذي قبل، لكن ذلك لم يفقدها ذلك جماليتها وأصالتها"، منوها إلى أن "الموسيقى العراقية ذات نمط خاص ومتميز ولا تتأثر بالتسويق العشوائي الذي يخرج حاليا من عديمي الموهبة".

ويؤكد أن "الموسيقى العراقية انتجت حاليا هجينا من العزف والألحان، وافتقرت الى العمق التاريحي والفني ولاتمثل حضارة وأرث وثقافة المجتمع العراقي".

يقرأون الآن