لبنان

اجتماع باريس فرصة وحيدة وأخيرة قبل "الارتطام الكبير"؟

اجتماع باريس فرصة وحيدة وأخيرة قبل

لن تكون المفاوضات الدولية في اجتماع باريس حول الملف اللبناني سهلة أو يسيرة. لكل دولة موقف ورؤية، تتعارض مع دول أخرى في مكان، وتتقاطع في مكان آخر. أما في لبنان، فإن وصول الحراك السياسي القائم إلى نتيجة دونه عقبات كثيرة أيضاً، في ظل تضارب المصالح ووجهات النظر. 

لكن يبقى الاجتماع محطة مفصلية، لأن ما بعده هناك خياران لا ثالث لهما: إما القدرة على إنجاز تسوية خلال أشهر قليلة، وإما الإرتطام الكبير بتداعياته الأكبر من الانهيار المالي الشامل، إلى انهيارات أمنية ومعيشية، سترفع منسوب الدعوات إلى التقسيم والفدرلة.

الأرضية المشتركة

صحيح أن الاجتماع ليس على مستوى القيادات بين هذه الدولة، لكنه يحمل مؤشرات متعددة لحث اللبنانيين على الانخراط في تسوية، ويشير إلى بعض الاهتمام الخارجي. لن تكون هذه الدول وحدها مقررة، إنما سيكون هناك تواصل مع طهران أيضاً. هذا بما يتعلق في الشق الخارجي، أما على الصعيد الداخلي، فإن الأمر مرتبط بحركة لا بد منها من قبل القوى المتعارضة مع بعضها البعض، لتحضير الأرضية وتهيئة الجو. وبحال تجاوب اللبنانيون مع هذه المساعي، يمكن للتسوية أن تنجح. أما بحال عدم التجاوب واستمرار الاستعصاء، فيعني أن غالبية هذه الدول ستنفض أياديها من لبنان، ليواجه مصائر سوداء. وأي صيغة للحل لا بد لها أن تعود إلى قواعد البيان السياسي، الذي سيصدر عن الاجتماع أو سيتوافق عليه المجتمعون.

قد لا يوافق اللبنانيون سريعاً على التجاوب مع مندرجات هذا الاجتماع، وسيكون هناك حاجة إلى وقت طويل للبحث عن جهات خارجية وداخلية في سبيل الوصول إلى أرضية مشتركة، لا سيما أن النقاش الأساسي سيتركز على انتخاب رئيس للجمهورية، واختيار شخصية رئيس الحكومة. وبحال لم يكن التجاوب اللبناني سريعاً، فهذا يعني أن بعض القوى ستنتظر تغيراً في موازين القوى لتكون التسوية على أساسها. ما يعني إطالة أمد الفراغ والأزمة مع ترك الأبواب مفتوحة على احتمالات خطرة.

لكل دولة مقاربتها

خلال التحضير للإجتماع، ظهر عدم الانسجام الكامل في وجهات النظر، وعدم تطابق المقاربات، فلكل دولة مقاربتها الخاصة. وعلى الرغم من التنسيق الفرنسي السعودي المستمر، إلا أن الاختلافات لا تزال قائمة في بعض المقاربات، سواء من خلال محاولة الفرنسيين تبني أسماء أو طرح أسماء، مقابل رفض السعودية لذلك. والأمر نفسه ينطبق على شخصية رئيس الحكومة. كما أن كل طرف حاول أن يفرض وجهة نظره، في الورقة السياسية الموضوعة قيد النقاش. وهذا ما احتاج إلى جهد كبير في سبيل الوصول إلى نقاط مشتركة، بينما لا تزال هناك نقاط عالقة لا بد من السعي إلى معالجتها خلال الاجتماع. جزء من هذه المقاربات والنقاط كانت قد حضر في زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية إلى السعودية، والتي أكدت نية بلادها التفاهم مع السعودية.

تجربة اتفاق الدوحة

لكن لا بد للعودة إلى العنوان الأساسي، بحال التوافق في الاجتماع على رؤية سياسية مشتركة وتلقفها اللبنانيون، يمكن الحديث عن مسار إيجابي للتسوية. أما بحال لم يتحقق ذلك لا داخلياً ولا خارجياً، فإن الأمور مرجحة لمزيد من الانهيارات مقابل نفض اليد الإقليمية والدولية. من هنا يراقب اللبنانيون مسار الاجتماع وينتظرون. يحاولون استشراف ما ستكون عليه التسوية المقبلة، فيستعيدون مسار اتفاق الدوحة مثلاً، والذي سبقه "ربح عسكري" لحزب الله على الأرض في مقابل إنجاز تسوية احتفظ فيها الحزب بالثلث المعطل، إنما تم انتخاب رئيس للجمهورية وسطي كان حينها قائد الجيش ميشال سليمان، وتمت تسمية رئيس حكومة محسوب على قوى 14 آذار. واستمرت هذه التسوية طوال حكومة السنيورة الثانية وحتى موعد الانتخابات النيابية في العام 2009. أما بعد الانتخابات وتشكيل حكومة الحريري، والتي تضمنت وزيراً ملكاً، وعلى وقع متغيرات إقليمية، حصل الإنقلاب على تلك الصيغة ودخل لبنان في مدار جديد، أوصله إلى ما وصل إليه الوضع اليوم. وهذا بالتحديد ما يحتاج إلى معالجة، أو الاستحصال على ضمانات بعدم الانقلاب على أي صيغة للتسوية، أو تحصينها بقواعد سياسية واقتصادية ومالية تكون غير قابلة للانقلاب.

"بروفايل" الرئيس المطلوب

استباقاً لموعد الاجتماع، تكثّفت الحركة السياسية في الداخل. من أبرزها كانت زيارة السفير السعودي إلى قائد الجيش. نظرياً، فإن الصورة تعطي انطباعاً ضمنياً بموافقة السعودية على جوزيف عون، علماً أن الموقف السعودي واضح في عدم تبني أي اسم. في المقابل، معطيات أخرى تفيد بأن الزيارة كنت استطلاعية، ولإعطاء إشارة بأن الرئيس المطلوب مشابه لبروفايل جوزيف عون. أي قادر على التواصل مع الداخل والخارج، ولا يشكل غلبة سياسية لطرف على آخر. وهذا ينطبق على قائد الجيش كما على غيره. علماً أن هناك من يستعيد تجربة العام 2008، وكيف تهيأت الأجواء لانتخاب قائد الجيش حينذاك ميشال سليمان.

الردّ السريع لدى حزب الله وحركة أمل على ذلك -حسب المعطيات المتوفرة- كان بالتمسك بسليمان فرنجية، وبتسريب أجواء بأنهم لم يعطوا أي موافقة حتى الآن على انتخاب قائد الجيش. وسط رفض لأي نقاش يتعلق بمسألة إمكانية التخلي عن ترشيح فرنجية. 

هنا تتضارب المواقف، فيعتبر البعض أن الحزب قد ينتظر طويلاً إلى أن  تتغير الظروف لصالح وصول فرنجية إلى الرئاسة.، فيما البعض الآخر يشير إلى أن الأمور تحتاج إلى مزيد من الوقت، حتى تنضج ظروف التسوية المرضية للجميع، ووصول حزب الله وفرنجية إلى قناعة بالإنتقال إلى الخطّة "باء". 

في كل الأحوال، يبقى ما بعد اجتماع باريس، كأنه فرصة وحيدة وربما أخيرة، ما بين التسوية أو الشر المستطير. 


منير الربيع - المدن

يقرأون الآن