دولي

المعارضة الإيرانية.. اتفاق على التغيير بأدوات سرية

لفت إطلاق الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان نداء "الوحدة الوطنية"، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على بلاده، انتباه المراقبين لناحية توقيته من جهة، ودعوة بزشكيان لاعتماده ليست فقط كشعار، بل منهاج لعمل الحكومة من جهة ثانية. لا شك أن الانقسامات داخل إيران، على مدى العقود الماضية، قد تعمقت إلى مستويات غير مسبوقة نتيجة ممارسات النظام، لذا تأتي دعوة الرئيس إدراكا منه ومن مؤسسة النظام بحجم التحديات، وربما إشارة إلى المعارضة بأن تغييرات ستطرأ على المشهد الداخلي، بعد الحرب.

المعارضة الإيرانية.. اتفاق على التغيير بأدوات سرية

منذ أن بدأت إسرائيل حربها على إيران، لم يخف قادتها، على المستويين السياسي والعسكري، رغبتهم بأن تؤدي الحرب إلى إسقاط النظام الإسلامي الإيراني. مراقبون اعتبروا أن إسرائيل بدأت الحرب بثلاث خطوات اعتبرتها حاسمة لإنهاء الصراع، أولا هجوم مباغت وواسع النطاق على المنشآت العسكرية والاقتصادية، ثانيا اغتيال الصف الأول في القيادة العسكرية الإيرانية وأبرز العلماء النوويين الإيرانيين، وثالثا دعوة الإيرانيين للثورة على النظام (ما قاله نتنياهو في بيانه في اليوم الأول للحرب).

حققت إسرائيل نجاحا كبيرا في الخطوتين الأوليتين، لكن الخطوة الثالثة بدت وكأنها مبالغ فيها. فإعلان الحرب وضع المعارضة الإيرانية، وتحديدا معارضة الداخل، في موقف غير مريح بتاتا، إذ اضطرت إلى التخلي الفوري عن دعواتها لتغيير النظام مقابل رفع شعارات الوحدة والمواجهة المتحدة ضد العدوان. ولعل هذا الموقف هو ما استدعى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لإطلاق دعوته "للوحدة الوطنية"، على قاعدة العمل والمنهاج والتغيير في آليات العمل الحكومية.

معارضة الداخل تراهن على التغيير

ومن قراءة المواقف الداخلية للأحزاب والشخصيات المعارضة داخل إيران، على مختلف مشاربها، لا يمكن القول بأن هناك اختلافا بينها بشأن ضرورة الالتفاف حول الدولة ومواجهة العدوان والدفاع عن الوطن.

يمكن قراءة هذه التطورات من المواقف الصادرة مثلا عن الرئيسين السابقين للجمهورية الإسلامية، حسن روحاني ومحمد خاتمي، اللذين ينتميان للتيار الإصلاحي واللذين تعرضا لشتى أنواع المضايقات والتضييقات بحجة اعتبارهما من المعارضين لنظام ولاية الفقيه والساعين للتقرب من الغرب.

الرئيسان السابقان ومعهما جملة من الأحزاب المعارضة، جميعهم اتفقوا على الوحدة الوطنية كأساس لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، لكنهم عادوا وأكدوا أن مفاهيم الحرية والشراكة يجب أن تسود روح الوحدة الوطنية التي أعيد انبعاثها مع الحرب. وبالتالي لم يتخلوا عن دعواتهم للتغيير، لكنهم تفادوا الشعارات والدعوات التي قد تثير الحساسيات في هذا التوقيت.

دون الحديث عن منظمات وتجمعات المجتمع المدني والحركات المدافعة عن المرأة والتي حشدت مظاهرات حاشدة في البلاد، آخرها كان عام 2022، وإن كانت المشكلة مع هذه التيارات، التي يبدو أنها تعبر عن عدد كبير جدا من الإيرانيين، هي أنها لم تفرز أشكالا أو قيادات سياسية، قادرة على قيادة البلاد في حال سقوط محتمل للنظام.

معارضة الخارج "تحرض" 

في المقابل، لا تتشارك معارضة الخارج مع نظيرتها في الداخل في الموقف. إذ منذ بدء الحرب، تداعت أصوات في معارضة الخارج إلى استغلال الحرب والقصف وحالة "الضعف" التي يعاني منها النظام، من أجل إسقاطه. وتراهن عدة مجموعات في تلك المعارضة على الدعم الأمريكي لها لتنفيذ الخطوة، وربما أيضا الدعم الإسرائيلي.

معارضات الخارج لطالما اتهمت النظام الإسلامي في إيران بتشويه صورة البلاد، واعتماد استراتيجيات في المنطقة أدت إلى زيادة عزلة إيران بسبب ما اعتبره البعض "دوره المهدد للاستقرار الإقليمي والعالمي".

يذكر أنه قبل يوم من إقدام إسرائيل على شن ضرباتها الجوية ضد إيران، أصدرت فصائل في المعارضة الإيرانية في الخارج وثيقة قالت إنها تحتوي على معلومات بشأن مشروع إيران النووي، تتضمن المساعي السرية لطهران لإنتاج سلاح نووي. الوثيقة التي صدرت الخميس الماضي أثارت الكثير من التكهنات بشأن احتمال استخدامها من الولايات المتحدة كذريعة لضرب المشروع النووي الإيراني، لتقوم إسرائيل في اليوم التالي بتلك المهمة.

وأصدر الوثيقة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بالتعاون مع منظمة "مجاهدي خلق"، وتناولت تفاصيل ما أسمته "خطة كوير"، باعتبار أنها امتداد لمشروع "آماد" الذي أوقف النظام الإيراني العمل به قبل سنوات، والمعني بتطوير سلاح نووي.

دعوات لإسقاط النظام

إضافة للتنظيمين المذكورين، هناك أيضا رضا بهلوي، نجل شاه إيران السابق وولي عهده، الذي رأى أن خامنئي يسحب البلاد إلى حرب لا تعبّر عن إرادة الشعب الإيراني، واصفاً الصراع الحالي بأنه "حرب خامنئي، وليست حرب إيران". حتى أن وريث الكرسي الملكي الإيراني دعا الأجهزة الأمنية إلى الانفكاك عما وصفه بـ"القيادة الفاسدة والعاجزة" والانضمام إلى الشعب. كما حثّ الشعب الإيراني على إسقاط النظام بالاحتجاجات الشعبية والإضرابات الوطنية، وأن العصيان المدني هو الطريق الأفضل، مؤكدا أن هذا العصيان سيلقى الدعم والتأييد العالميين.

المواقف السابقة وتزامنها مع الحرب الإسرائيلية على إيران، سلطت الضوء على دور تلك المعارضة في الحياة السياسية العامة الإيرانية، واختلافها الجذري في النظر إلى آليات التغيير عن معارضة الداخل، التي استهجن عدد من رموزها تلك المواقف وعدم إدانة الهجوم الإسرائيلي. ومن الشخصيات التي استهجنت المعارضة الداخلية مواقفها، إضافة لبهلوي، شرين عبادي ونرجس محمدي الحائزتين على جائزة نوبل، وزعيم حزب العمال الشيوعي حميد تقوائي الذي اعتبر أن الهجوم الإسرائيلي يمهد الأرضية للقضاء على النظام الإسلامي.

يقرأون الآن