أثار طلب البرلمان الإيراني تعليق العلاقات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) قلقاً دولياً واسعاً، في ظل استمرار التصعيد الحالي بين إسرائيل وإيران ودخول الولايات المتحدة الأميركية على الخط وقصفها 3 مواقع نووية إيرانية في فوردو وأصفهان ونطنز.
لكن هذا الموقف له تبعات كبيرة ويثير تساؤلات عديدة..
هل ستمنع إيران مفتشي الوكالة من مراقبة المنشآت النووية؟
وهل يعني ذلك أيضا مواصلة طهران برنامجها النووي دون التقيد بشروط الوكالة أو انتظار لأي اتفاق؟
يقول الدكتور مصطفى عزيز، رئيس هيئة الرقابة النووية والإشعاعية المصرية الأسبق، إن "إيران من الدول الموقعة على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية، وبالتالي فإن المفتشين التابعين للوكالة يقومون بالتفتيش وزيارة المواقع النووية في إيران بانتظام للتأكد من التزام طهران بالاتفاقية"، موضحا أنه إذا قررت إيران تعليق التعاون مع الوكالة، فسيتوقف كل ذلك على الفور، ولن يسمح لمفتشي الوكالة بزيارة طهران أو تفقد منشآتها النووية.
"استخدام عبارات مطاطة وفضفاضة"
وقال عزيز إن "البرلمان الإيراني لم يوضح في قراره أو خطته ما هي أشكال وأنواع وقف التعاون مع الوكالة الذرية، بل استخدم عبارات مطاطة وفضفاضة"، لكنه كشف عن وجود أزمة مع الوكالة، و"ليس انسحابا من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية"، بحسب تعبيره.
وأشار عزيز إلى أن هناك 3 سيناريوهات محتملة قد تلجأ إليها إيران بعد وقف تعاونها مع الوكالة الذرية، "الأول هو منع المفتشين من دخول المنشآت النووية الإيرانية. والثاني هو الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي. والثالث هو أنه في حال استجابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمتطلبات الإيرانية فستعود طهران للتعاون مرة أخرى"، موضحا أن الموقف برمته مرتبط بالتطورات السياسية للأزمة.
التلويح الإيراني بكل الأوراق
من جانبه يقول الدكتور إسماعيل تركي، أستاذ العلاقات الدولية بـ"جامعة القاهرة"،إن "هذا التحرك خطوة بالغة الأهمية قد تحمل تداعيات عميقة على مستقبل الاستقرار الإقليمي والعالمي، حيث تحاول إيران التلويح بكل الأوراق التي تمتلكها، مثلما لوح برلمانها وقرر الموافقة على غلق مضيق هرمز، وأحال القرار إلى سلطة مجلس الأمن القومي الإيراني".
وأضاف تركي أن "طلب البرلمان الإيراني، بوقف التعاون مع الوكالة الذرية يستند إلى تفسير خاص للمادة العاشرة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، حيث تنص المادة على حق أي دولة طرف في الانسحاب من المعاهدة، إذا رأت أن الأحداث الاستثنائية المتعلقة بموضوع هذه المعاهدة قد عرضت مصالحها العليا للخطر".
خارج نطاق الرقابة والتفتيش
ووفقا لنص المادة -كما يقول أستاذ العلاقات الدولية بـ"جامعة القاهرة"- فإن "الدولة المنسحبة ملزمة بإخطار مجلس الأمن الدولي وجميع الأطراف الأخرى بالمعاهدة قبل 3 أشهر من الانسحاب، مع تقديم بيان يشرح الأحداث الاستثنائية والمخاطر والتهديدات التي تعتبرها قد عرضت مصالحها العليا للخطر".
وتابع تركي قائلا: "وعليه إذا قامت إيران بتقديم مذكرة رسمية تتضمن تهديدات لأمنها القومي كأساس لتعليق علاقاتها، فإن ذلك سيشكل سابقة خطيرة"، موضحًا أنه في حال استمرت إيران في هذا المسار، "فإنها ستجد نفسها بعد 90 يوماً خارج نطاق الرقابة والتفتيش التي تمارسها الوكالة الذرية، وهذا المسار بالطبع سيؤدي إلى تصاعد التوتر".
وأشار الدكتور تركي إلى أن تعليق التعاون مع الوكالة وسحب المفتشين، سيزيد لا شك من حدة المواجهة بين إيران والغرب، و"قد يدفع بعض الأطراف إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة. فبدون الرقابة المستمرة للوكالة، سيصبح من الصعب للغاية على المجتمع الدولي التحقق من طبيعة البرنامج النووي الإيراني، مما يثير مخاوف جدية بشأن احتمالية تطوير أسلحة نووية".
وكشف أستاذ العلاقات الدولية المصري أن "هذا الأمر سيؤدي إلى تقويض نظام عدم الانتشار النووي فإذا انسحبت إيران من المعاهدة، فقد يشجع ذلك دولاً أخرى على السعي لامتلاك أسلحة نووية"، مشيرا إلى أنه "من المنطقي أن يؤدي هذا التحرك إلى فرض عقوبات اقتصادية أشد على إيران، مما يزيد من الضغط على اقتصادها المنهك بالفعل".
وأضاف أن "الوضع الحالي يتطلب من القيادة الإيرانية الحكمة والعقلانية لتجنيب البلاد مزيدا من التهديدات، كما يتطلب من جميع الأطراف بذل جهود مكثفة لتخفيف حدة التوتر وإعادة بناء الثقة والانخراط بحسن نية في المسار التفاوضي".