في مشهد يعكس تعقيدات الصراعات الإقليمية وتباين الروايات، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل بعد 12 يومًا من التوتر، واصفًا ذلك بـ"الانتصار" الشخصي له. وبينما احتفل كلا الطرفين بـ "نصرهما" المزعوم، يرى خبراء أن حسابات الربح والخسارة في هذه الحرب تبدو "نسبية".
ولم تختلف نهاية حرب الـ12 يوماً، عن حرب الـ4 أيام، إذ سرعان ما أعلن الطرفان انتصارهما وردعهما للآخر، فطهران وعبر الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي، قالت إنها حققت النصر "الذي أجبر العدو على الندم، وقبول الهزيمة، ووقف عدوانه أحادي الجانب".
أما إسرائيل، وعبر وزير، بتسلئيل سموتريتش، فقد أعلنت في المقابل "هزيمة كاملة" لإيران التي "تبدأ من الصفر، سواء في برنامجها النووي أو في قدراتها الصاروخية"، و"التي توسّلت الحكومة الإسرائيلية من أجل قبول وقف إطلاق النار".
لكن خبراء ومحللين يرون أن حسابات النصر والهزيمة في هذه الحرب تبدو "نسبية"، ولا يمكن الجزم بـ "هزيمة كاملة ومميتة" لأي طرف فيها، وأن التفاصيل "غير المعلنة" في اتفاق وقف إطلاق النار، هي التي من شأنها أن تحدد ميلان كفة "الانتصار".
وفي الجانب النسبي من النصر، يعتقد الخبير العسكري، أحمد رحال، أن إسرائيل ربما تبدو منتصرة بحكم "كم الأهداف العسكرية والنووية" التي استهدفتها، إضافة إلى اغتيال عشرات القادة والعلماء الإيرانيين في عمليات اختراق غير مسبوقة، ويضيف إلى ذلك أنها بكل أحوال "أخّرت وأعاقت" إيران عن إنتاج القنبلة النووية.
في المقابل، يرى أحمد رحال، أن "كل الحسابات العملياتية في الحرب لم تكن صحيحة، سواء عند إيران أو إسرائيل"، مشيراً إلى أن طهران التي لطالما توعّدت بتدمير تل أبيب "في سبع دقاق ونصف" عجزت عن حماية مجالها الجوي، وخرجت كل دفاعاتها عن الخدمة، كما عجزت عن حماية منصات الصواريخ، فدُمّرت 200 منصة من أصل 300.
وإسرائيل أيضا "التي كانت تتباهى دائماً بما تسميه السماء المحصنة، وقدرة منظوماتها الدفاعية على صد الصواريخ"، انكشفت تماماً أمام الصواريخ الإيرانية التي تسببت بدمار كبير "رغم المساعدة الفرنسية والأمريكية والبريطانية"، بحسب رحال.
من جهته، يعتقد المحلل وأستاذ العلوم السياسية، خالد شنيكات، أن التفاصيل "غير المعلنة" في اتفاق وقف إطلاق النار، هي التي تحدد من هو الرابح والخاسر في الحرب، معتبراً أنه إذا كانت قد تضمت معادلة "الصمت مقابل الصمت"، فحينها سيكون هناك توازن بين الطرفين.
ويرى خالد شنيكات أنه إذا ورد في تفاصيل وقف إطلاق النار ما يتيح لإسرائيل "حرية العمل في مواجهة أي تهديد لأمنها، بما فيها الأجواء الإيرانية، فإن ذلك يعكس أن تل أبيب حققت نصراً، على الأقل في هذه الجولة".
كما ينوه إلى قضية أخرى قد تحسم الجدل حول النصر والهزيمة في الحرب، وهي العودة إلى أهدافها المعلنة، فقد توعّدت إسرائيل مع انطلاق حملتها لتدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وهو بحسب شنيكات أمر لا يمكن تأكيده الآن.
ويضيف أنه في حال تضمّن اتفاق وقف إطلاق النار بنوداً "غير منشورة" تتعلق بتعهد إيران بوقف برامجها الصاروخية والنووية، فحينها يمكن الجزم بهزيمة إيران، إلا أنه استدرك أن كل ذلك متوقف على الكشف عن كامل بنود وقف إطلاق النار.
ويخلُص إلى أن ما يحدد بشكل حاسم من انتصر، هو "المشروع النووي" فإن كان قد دُمّر بالكامل كما تقول إسرائيل، فقد انتصرت، وإن كانت طهران لا تزال تحتفظ به فيصعب القول إنها قد خسرت.