دريان يحذر من البطء المزعج

وجه مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان رسالة إلى اللبنانيين لمناسبة حلول السنة الهجرية الجديدة قال فيها : "مع حلول كل عام هجري جديد ، يقف المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها محتفين بعام هجري جديد، ومستذكرين أحداث الهجرة النبوية الشريفة، التي تستحق الوقفة المتأنية، لأنها كانت في حقيقتها، حدثا بالغ الأهمية في تاريخ وحياة العرب والمسلمين، وهي لم تكن سفرا وانتقالا لتحصيل متع الدنيا وملذاتها، وإنما كانت انتقالا من أجل الحفاظ على العقيدة، وتضحية كبرى على حساب النفس والمال والأهل والولد، من أجل العقيدة، وفيها الإصرار على اتباع الحق، والدعوة إلى نهج الهدى والرشاد.

الهجرة التي صارت حدثا تاريخيا عظيما ، كانت هي الأفق الذي انفتح على الأمة والدولة والعالم الإنساني؛ بفضل جهد الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاده مع أصحابه ، ليتغير بهذا الحدث مجرى التاريخ، الذي تحدث عنه أحد أصحاب النبي بالقادسية قائلا : (جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد ، إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الظالمين إلى عدل الإسلام) . وهكذا فنحن عندما نحتفي بذكرى الهجرة، إنما نحتفي بنضاله عليه الصلاة والسلام، وبالرسالة التي حملها لتحرير الإنسانية.

لقد تغير معنى الهجرة، وتغيرت ظروفها، صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، عندما هاجر من مكة، كان قد تعذر عليه العيش فيها من جهة ؛ لكنه كان من جهة أخرى يملك مشروعا استطاع تحقيقه في بضع سنوات، أما نحن في لبنان فينبغي علينا أن نهجر العصبية والحقد والأنانية والفساد والإفساد وسوء الأخلاق، وكل ما يؤثر سلبا على تقدم الإنسان في لبنان، والنهوض بهذا البلد العزيز الذي يستحق أن يرى النور من جديد على أيدي أبنائه المخلصين من ساسة وعلماء في شتى المجالات، وهذه هي الهجرة التي تنفع لبنان، ويرضى عنها الله عز وجل ورسوله والمؤمنون.

في ذكرى الهجرة ، نتذكر قوله صلوات الله وسلامه عليه : (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى . فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه) . فالنية أصل في صحة العمل ، سواء كان العمل بالداخل الوطني، أو عمل مهاجر لبناني قديم من أجل الداخل المعاني".

اضاف:" لیست هناك نعمة أحق بالشكر لله عز وجل من نعمة السلام، به يحيا الناس، وفيه يرزقون، وفي ضوئه تكتسب حياتهم معناها. وهكذا فإن الصهاينة دمروا على الفلسطينيين سلامهم وأمنهم عندما أخرجوهم من ديارهم عام ١٩٤٨، يكملون الآن ما بدأوه بالقتل والتهجير وغزو المسجد الأقصى، وتوزيع الحروب. فأين الاستقامة السياسية والاستراتيجية، وأين حياة الناس وسلامهم، وأين سلام الدين وبركة الأنبياء التي أرادها عز وجل، ونشرها فيما بين الكعبة والأقصى: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل...

العالم كله يريد السلام ويحظى به إلا هذه المنطقة من العالم، وهي ملاذ الرسالات والحضارات؟ إنها النقمة والمحنة التي حلت بها بسبب إقامة الكيان العدواني الصهيوني على أرض فلسطين

وقال:"لدينا عهد جديد وحكومة جديدة. وقد تحركت الأمور إيجابا لجهات أربع: التفكير بسلام الوطن، والحفاظ عليه من طريق فرض سلطة الدولة وحدها على الأرض. والأمر الثاني: السعي الحثيث للتصدي للأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية. والأمر الثالث: استعادة قوام القضاء والسفراء والمؤسسات بعد طول تعطل. والأمر الرابع: استعادة العلائق الصحية بالعرب والمجتمع الدولي. كلنا يشعر بأن المسار شديد البطء، ويتخلله الكثير من الصعاب، ومن التذكير ببقاء المحاصات، والفساد، والتجاوز للدستور والقوانين، لكننا أيها الإخوة المواطنون نبقى شديدي الأمل، ونتطلع إلى أن يكون هذا النهج الجديد للحكومة ورئيسها فاعلا حقا في الإصلاح وصنع الجديد والمتقدم. البطء مزعج، والأكثر إزعاجا الظواهر السلبية التي تذكر بالعهد السابق، ولكن ما آن الأوان بعد لعودة الإحباط وترجيح سوء التقدير والتدبير".

وتابع:" إن محيطنا كله يغص بالحروب والطغيان الصهيوني، فيكون علينا أن نقف وقفة واحدة متضامنين متعاونين، آملين بهذا الحذر أن نتجنب الانغماس في الحروب التي دمرت وطننا من قبل. لا نملك سلاح الطاغوت الإسرائيلي، لكننا نملك إرادة العيش المشترك، وإرادة السلام والكرامة، وآمال تحرر هذا المشرق من العدوان والطغيان وطاغوت الجبابرة، وعجز الضعفاء. إن على المسؤولين الجدد والقدامى أن يتنبهوا إلى المسؤوليات الضخام الملقاة على عواتقهم وعقولهم، وأن يحذروا من الاستكانة إلى العادي والمتعارف عليه من تخاذل السابقين وتكالبهم على الدنيا والثروات المتضائلة، والانحيازات غير المحمودة وغير النزيهة".

وختم:"في ذكرى الهجرة، نلوذ بالإيمان بك يا الله من هذا الهول ؛ فإنه لا كاشف للغمة إلا أنت. ارفع هذه الغمة عن عبادك، كما رفعتها عن المهاجرين الصادقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : ﴿والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة، ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون * الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون﴾ صدق الله العظيم . وكل عام هجري وأنتم بخير ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

يقرأون الآن