في مثل هذه اللحظات من كل عام، أي غرة السنة الهجرية الجديدة، ومع ساعاتها الأولى، تشخص قلوب وأفئدة المسلمين صوب الكعبة المشرفة في أقدس بقاع الدنيا، مكة المكرمة التي يتجهون لها في اليوم خمس مرات أو ما يزيد حسب اجتهاد الفرد.
هذا التوقيت بقدر أهميته وقدسيته المرتبطة بقدسية المكان من ناحية أخرى، بقدر ما هو يمثل تقليدا متوارثا في السعودية، التي كرست كل جهدها حكومة وشعباً لخدمة الحرمين الشريفين وخدمة زوارهما.
ينتظر أكثر من مليار مسلم في أرجاء المعمورة لحظة تبديل الكسوة - مصدر الصورة: واسينتظر أكثر من مليار مسلم في أرجاء المعمورة لحظة تبديل الكسوة - مصدر الصورة: واس
هذه الساعات الفجرية من كل عام، تستبدل الحكومة السعودية ممثلة بجهات حكومية، كـ"الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، ومجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة"، وهما ذراعان حكوميتان للدولة، لترتدي حلتها الجديدة، المطرزة بالذهب والفضة على حرير خالص بأيد سعودية خالصة أيضاً.
تتكون الكسوة الجديدة من (47) قطعة من الحرير الأسود المنقوش - مصدر الصورة: واستتكون الكسوة الجديدة من (47) قطعة من الحرير الأسود المنقوش - مصدر الصورة: واس
وفي الغالب ينقل هذا المشهد المهيب على الهواء مباشرةً في بعض الفضائيات، نظير أهميته وتأثيرة، باعتباره يعني الشيء الكبير لكافة المسلمين على وجه الأرض.
وتبدأ عملية إلباس الكعبة المشرفة ثوبها الجديد بإنزال القديم بعناية فائقة، لما تحتويه من آيات قرآنية مشغولة بأهم النفائس الدنيوية.
لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان: أين تذهب الكسوة القديمة؟ أو ما طريقة التعامل معها؟ هل تُحفظ، أو تٌتلف، أو يعاد صيانتها وتدويرها؟
الجواب: تتم تجزئتها إلى قطع صغيرة، ومن ثم توزيعها على شكل هدايا ثمينة لكبار الشخصيات، والجهات الحكومية، والسفارات، بينما يُرسل الجزء الآخر للمتاحف داخل وخارج السعودية.
وللمتابع أن يلحظ وجود بعض من اللوحات المعروضة في مكاتب بعض المسؤولين، من رؤساء دول أو رؤساء حكومات أو وزراء أو سفراء، كنوع من الاعتزاز بهذه الهدايا الثمينة، والقيمة ذات المعنى والقيمة الخاصة.
والاهتمام السعودي بالمشاعر المقدسة وكسوة الكعبة المشرفة ليس وليد اليوم، بل إنها قد بدأت تلك الرعاية منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن عام 1927، إذ افتتح في عهده داراً متخصصة لصناعة الكسوة في مكة المكرمة، أنتجت أول كسوة سعودية للكعبة، وبعدها انتقل إلى "مصنع كسوة الكعبة" في عام 1977م في أم الجود، أحد أحياء مكة المكرمة.
وأشكال رعاية الحكومة السعودية للمشاعر المقدسة إجمالاً لا تتوقف عند هذا الحد، وهذا يتأكد بالنظر إلى المشاريع العملاقة التي نفذها وتنفذها الدولة في الأراضي المقدسة، انطلاقا من توسعة الحرمين الشريفين، مروراً بمشروع الجمرات، وصولا إلى قطار الحرمين السريع الذي يكفل راحة زوار البقاع المقدسة بكل يسر وسهولة.
وفي كل موسم حج يتوافد مئات آلاف العاملين في الجهات الحكومية السعودية لمكة المكرمة، لتقديم خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام، ومساعدته على أداء النسك دون أي صعوبة.
ويحرص العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء سنوياً، على متابعة سير أعمال الحج من أراضي مكة المكرمة مباشرة، في خطوة تؤكد الرسالة الإيمانية السعودية الموروثة منذ عهد المؤسس، الذي وضع لبنة ضرورة حرص الدولة أن يعيش الحاج أقصى درجات الراحة والطمأنينة.