الجعة (البيرة) هي واحدة من أقدم المشروبات المعروفة للبشرية، حيث تم تخميرها في الشرق الأدنى القديم قبل آلاف السنين من عصرنا.
وفي العصور الوسطى، تم تطوير صناعة إنتاجها في أديرة أوروبا الغربية والوسطى، وبحلول القرن الحادي والعشرين تحوّلت إلى صناعة ضخمة تقدّر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات. ومع ذلك، فإن مصيرها مثل مصير المشروب نفسه، مهدّد في مواجهة تغير المناخ حيث يتم استنفاد الموارد المائية، وسينخفض محصول الشعير، وهو مكوّن نباتي رئيسي، في مواجهة ارتفاع درجات الحرارة والجفاف.
وفي غضون ذلك، تحاول الصناعة لفت الانتباه إلى المشكلة والقضاء على التهديد لمواردها، على الرغم من أنه من السابق لأوانه الحديث عن نجاحات جادة.
وتشرب البشرية كل عام ما يقارب 200 مليار لتر من الجعة، مما يجعلها أكثر المشروبات الكحولية شعبية من حيث الكميات المستهلكة. وفي الأعوام الخمسة المقبلة، قد يقترب حجم السوق، وفقاً لبعض التوقعات، من تريليون دولار.
مع ذلك، فإن إنتاج الجعة، مثل العديد من قطاعات الاقتصاد الأخرى، يواجه الآن المخاطر التي يشكلّها تغيّر المناخ، لقد أصبح إنتاج الجعة بالفعل تحدياً خطيراً للأمن الغذائي بشكل عام، مع العلم أن ارتفاع درجات الحرارة، وتواتر الفيضانات والجفاف، وتفعيل الآفات الحشرية على خلفية الاحترار، يوجّه كل ذلك ضربة إلى الزراعة. وأصبحت الموارد المائية أكثر شحة، وتقلل كل درجة زيادة في متوسط درجة الحرارة من غلة المحاصيل الرئيسية للبشرية، وبينها القمح والأرز والذرة وفول الصويا في نحو 3 - 7.4 في المئة.
والجُنجل (حشيشة الدِّينار) الذي لا يتحمّل موجات الحرارة الشديدة، والمُلت الذي يتم الحصول عليه عادة من الشعير، مهددان أيضاً. ويغيّر الشعير خصائصه (على سبيل المثال من حيث النسبة المئوية لمحتوى البروتين) حتى مع زيادة طفيفة في درجة الحرارة، مما يؤثر، من بين أمور أخرى، على مذاقه.
لكن المشكلة الرئيسية هي حجم المحصول. وفي أوروبا، التي توفر 60 في المئة من إمدادات الشعير في العالم، انخفض إنتاجه بنسبة 12 في المئة بين في الفترة ما بين عام 1964 وعام 2015 بسبب الطقس. وفي الوقت عينه، ففي السنوات العجاف، تتغيّر النسبة المعتادة لتوزّع الأحجام المحصودة: وتنخفض حصة استخدام الحبوب في التخمير بسبب زيادة حصة استخدامها كمحصول علف. وعادة ما، يتم إنفاق حوالى 17 في المئة من المحصول على الجعة، ولكن في حال ظروف الطقس القاسي، يمكن تخفيضها إلى 13 في المئة، وذلك وفقاً لما حسبه عام 2017 العلماء من الولايات المتحدة وبريطانيا والمكسيك والصين.
ويتوقع أن تستمر تلك النزعة في المستقبل. وتعتبر تغذية الماشية في السنوات الصعبة أكثر أهمية من إنتاج الجعة، وبناءً على البيانات التاريخية والنماذج المناخية المختلفة، يقول العلماء إنه في أعوام الطقس السيئ بشكل خاص، يجب أن ينخفضاستهلاك الجعة بنسبة 18 في المئة ويجب أن تتضاعف الأسعار المتوسطة.
وفي المستقبل، مع تفاقم أزمة المناخ، وزيادة تواتر ظواهر الطقس المتطرّفة، فقد لا تتوفّر المكوّنات اللازمة لتخمير الجعة على الإطلاق. ومن أجل توضيح هذه الأطروحة ولفت الانتباه إلى المشكلة، قامت الشركة الأميركية New Belgium Brewing عام 2021 بتخمير جعة أطلقت عليها Torched Earth Ale ( جعة الأرض المشتعلة)، وحسب صحيفة "واشنطن بوست"، يمكن تلخيص جعة الأرض المشتعلة في كلمة واحدة "مقرف".
واستخدم فيها بدلاً من الشعير الدخن والحنطة السوداء التي تتحمّل الجفاف، وأعادت الرائحة الدخانية إلى أذهان المستهلك حرائق الغابات، وتم توفير الطعم المر بإستخدام الهندباء المعروفة بقدرتها على النمو في أي مكان. وكان يجب أن تذكّر المستهلك كل رشفة أنه إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية لحل مشكلة المناخ، فإن المذاق المألوف لمشروبك المفضل سيكون شيئاً من الماضي.