منذ الأعوام الأولى للثورة الفرنسية، عاشت القارة الأوروبية على وقع العديد من الحروب الدامية التي وضعت الفرنسيين، وحلفاءهم، في وجه عدد من التحالفات التي شكلتها بقية القوى الأوروبية للإطاحة بالثورة الفرنسية وأيديولوجيتها وكبح جماح توسع فرنسا بالقارة.
وما بين أكتوبر (تشرين الأول) 1806 ويوليو (تموز) 1807، عاشت القارة الأوروبية طيلة 9 أشهر على وقع حرب التحالف الرابعة التي وضعت بالأساس فرنسا في مواجهة كل من بريطانيا وبروسيا وروسيا.
وخلال الأيام الأخيرة من الحرب لم تتردد روسيا في إبرام اتفاقية مع نابليون بونابرت بهدف الخروج من هذا النزاع والتحالف مع الفرنسيين بشكل مؤقت.
وفي خضم حرب التحالف الرابعة، تعرض الروس يوم 14 يونيو (حزيران) 1807 لانتكاسة في خضم معركة فريدلاند (Friedland) بالأراضي البروسية.
فخلال هذا الصدام ضد القوات الفرنسية، خسر الروس ما بين 20 و40 ألف عسكري بين قتيل وجريح وأسير وهو ما شكل ضربة موجعة لمعنويات بقية القوات التي شككت في إمكانية التغلب على نابليون بونابرت.
وأمام هذا الوضع، مال القيصر الروسي ألكسندر الأول للسلام وقبل بلقاء نابليون بونابرت شخصيا لبحث معاهدة سلام قد تنهي حالة الحرب بين البلدين.
وعلى متن طوف بعرض نهر نيمان (Neman) يوم 25 يونيو (حزيران) 1807، التقى القيصر الروسي ألكسندر الأول بنظيره الفرنسي نابليون بونابرت لبدء مشاورات السلام بين البلدين.
وبهذا اللقاء، عبر القيصر الروسي عن كرهه للبريطانيين وسياستهم التي يحاولون من خلالها فرض سلطتهم على بقية الدول الأوروبية.
إلى ذلك، رحب نابليون بونابرت بهذه التصريحات التي فتحت الطريق للتوصل لمفاهمة بين البلدين.
وبمدينة تيلسيت (Tilsit) يوم 7 يوليو (تموز) 1807، وقع الفرنسيون والروس معاهدة سلام أنهت حالة الحرب بينهما.
وبهذه المعاهدة، وافق الطرفان على تحالف موجه ضد بريطانيا قبل من خلاله الروس بالانضمام للحصار القاري وإغلاق موانيهم أمام السفن التجارية البريطانية.
أيضا، أقنع نابليون نظيره الروسي بالضغط لخلق نزاع بين فنلندا والسويد بهدف إجبار الأخيرة أيضا على وقف نشاطاتها التجارية البريطانيين.
ومقابل هذا الدعم ضد البريطانيين، وافق نابليون بونابرت بدوره على مساعدة الروس ضد العثمانيين.
ومن ناحية أخرى، وافق الروس على الانسحاب من مولدوفا وفالاشيا وقبلوا في الآن ذاته بتسليم عدد من الجزر الأيونية للفرنسيين.
وفي مقابل ذلك، منح نابليون بونابرت السيادة الكاملة لدوقية أولدنبرغ (Oldenburg) وعدد من الدويلات الألمانية التي حكمها بعض من أقارب القيصر الروسي.
وعقب المعاهدة الفرنسية الروسية، اتجهت بروسيا بدورها للخروج من الحرب حيث وقعت الأخيرة اتفاقية سلام مع الفرنسيين بتلسيت بعد يومين فقط وقبلت بشروط نابليون بونابرت.