دخل حزب الله في حالة تأهّب قصوى على مختلف محاوره العسكرية، في خطوة تعكس تزايد التوترات في المنطقة وتوقعات بتطورات ميدانية محتملة. وأفادت مصادر مطلعة بأن الحزب عزّز من استعداداته الميدانية، في ظل تصاعد المخاطر وتقديرات باحتمال اندلاع مواجهة واسعة النطاق.
وفي إطار هذه الحالة الأمنية المشددة، أشارت المصادر إلى أنّ العديد من قادة الحزب أوقفوا استخدام هواتفهم المحمولة، كإجراء احترازي يهدف إلى تفادي أي عمليات تعقّب أو تنصت قد تؤثر على تحركاتهم وخططهم العملياتية. ويُعدّ هذا القرار مؤشراً على مستوى الجدية التي يتعامل بها الحزب مع المرحلة الحالية.
تأتي هذه التطورات في سياق إقليمي شديد التوتر، خصوصاً على الجبهة الجنوبية للبنان، حيث يشهد الوضع تصعيداً تدريجياً وسط تهديدات متبادلة. ويرى مراقبون أن إجراءات حزب الله تعكس قراءة دقيقة لمجريات الأحداث، واستعداداً لاحتمال اتساع رقعة المواجهة في أي لحظة.
وأكدت المصادر أنّ "حزب الله يخلي عددا من مراكزه في مناطق عدة تحسبا لضربة إسرائيلية لافتة الى أنّ العديد من عائلات كوادر الحزب غادرت من الجنوب إلى بيروت".
الموفد الأميركي
وحمل المبعوث الأميركي توم باراك، في 19 حزيران/ يونيو، إلى السلطات اللبنانية قائمة مطالب تتعلق بسلاح "حزب الله".
لم يكشف عن محتوى الورقة بشكل رسمي، إلا أن التسريبات التي حصل عليها "إرم نيوز" توافقت على أنها تطالب بنزع كامل لسلاح "حزب الله"، في كامل الأراضي اللبنانية، وليس في جنوب نهر الليطاني كما كان الحال في السابق.
وتشير التسريبات أيضًا إلى أن الإدارة الأميركية تلوح بأن تنفيذ هذه المطالب سيقابل بتسهيل حصول لبنان على المساعدات المالية والاقتصادية الدولية، بينما سيقابل عدم التعاون بإغلاق الباب أمام هذه المساعدات، وباحتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية كبيرة لـ"حزب الله" بهدف نزع سلاحه بالقوة.
وفهم من التسريبات أيضًا أن النافذة الزمنية لمعالجة ملف سلاح "حزب الله" تستمر إلى خريف هذا العام.
باراك زار بيروت مرة ثانية، في 7 تموز/ يوليو، لتلقي الجواب الرسمي اللبناني. ومرةً أخرى، لم يكشف عن محتوى هذا الجواب بشكل رسمي.
الهروب إلى الأمام
لا يمتلك "حزب الله" اليوم شركاء في الداخل اللبناني مستعدين للدفاع عن سلاحه. فقد خسر "حزب الله" حليفه المسيحي الماروني، المتمثل في التيار الوطني الحر الذي يقوده الرئيس السابق ميشال عون والوزير السابق جبران باسيل.
كما خسر "حزب الله" حلفاءه السنة الذين تعاطفوا معه خلال الحرب مع إسرائيل، وخلال حرب غزة.
وحتى في الأوساط الشيعية، فقد "حزب الله" هيبته التي تمتع بها طوال 19 عامًا، منذ حرب 2006، وذلك بعد سقوط النظام السوري وتهشيم الصورة التي رسمها "حزب الله" لمحور المقاومة وللمارد الإيراني المزعوم.
كما فقد "حزب الله" الكثير من قدراته المالية والاقتصادية بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة، ولاسيما تلك التي استهدفت مؤسسة "القرض الحسن" التي استخدمها "حزب الله" لعقود لمساعدة فقراء الشيعة ولتعويضها عن خسائر المواجهات العسكرية مع إسرائيل.
وفي الآونة الأخيرة تواترت الشكاوى حول عدم تلقي مؤيدي "حزب الله" تعويضات تكفي لتغطية الخسائر التي لحقت بمساكنهم وأرزاقهم خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
الصراع مع حركة أمل
وحتى حركة "أمل"، الحليف التاريخي لـ"حزب الله"، بدأت تنأى بنفسها. فبحسب كل التسريبات، ماطل "حزب الله" في تسليم رده حول الورقة الأمريكية، ولم يقدم هذا الرد إلا بعد أن حذره نبيه بري من أن عدم تقديم رد رسمي سيدفع الرئاسات الثلاث للمضي قدمًا في الرد على العرض الأمريكي دون "حزب الله".
ولكن، من منظور "حزب الله" ربما يبدو المشهد مختلفًا قليلًا. فسقوط النظام السوري، وتخلي الحلفاء المسيحيين والمسلمين السنة اللبنانيين، ونأي نبيه بري وحركة "أمل" بنفسهم، تعني لـ"حزب الله" أنه ما من ضمانة للبقاء سوى القوة الذاتية المتمثلة بالسلاح، الخفيف منه والثقيل، وأن الهزيمة الكاملة لا تزال بعيدة، ويجب التفاوض – بالسياسة والقوة – لمنعها وللحد من آثارها، لكيلا ينتهي أمر "حزب الله" كما ينتهي أمر حركة "حماس" حاليًا، وكما انتهى حضور منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في صيف 1982، بعيد الغزو الإسرائيلي في يونيو/حزيران من ذاك العام.
تحذيرات من التنازل
الأبواق الإعلامية المقربة من "حزب الله" بدأت بالتذكير بأن الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية دفعوا سريعًا ثمن قبول منظمة التحرير الفلسطينية الخروج في لبنان، وشمل ذلك الثمن مجزرة صبرا وشاتيلا، في سبتمبر/أيلول 1982.
والمقربون من "حزب الله" بدأوا يروجون لخطورة عودة تنظيم "داعش" وبشكل أخطر مما ظهر منذ عقد من الزمن، خصوصًا بالاستفادة من تسونامي انتصار الإسلاميين السنة في سورية.
ولكن، ماذا لو لم تحقق هذه السردية هدفها، وقررت السلطات اللبنانية التحرك ضد "حزب الله" في العاصمة بيروت ومحيطها؟
يمكننا أن نتوقع، وبثقة كبيرة، أن "حزب الله" سيرد عبر إرسال أنصاره، غير المسلحين، لقطع الطرق الرئيسة المؤدية إلى العاصمة بيروت، وخصوصًا الطرق المؤدية إلى المطار الدولي الوحيد في البلاد، مطار "رفيق الحريري" في بيروت، والطريق الساحلي الذي يصل العاصمة بيروت بالجنوب اللبناني.
مثل هذا التحرك سيخلق ضغوطًا غير مسبوقة على أجهزة الدولة اللبنانية التي طالما تجنبت الاصطدام مع مثل هذه التحركات التي يقوم بها عناصر عُزّل.
ولكن، ماذا لو فشلت مثل هذه التحركات في تحقيق هدفها، وتفاقمت الضغوط الداخلية والدولية على "حزب الله" لنزع سلاحه؟
هذا المشهد غير مسبوق، ويتطلب التفكير في سيناريوهات غير مسبوقة.
تحرك الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية لنزع سلاح "حزب الله" من العاصمة يمكن أن يقود إلى رد عسكري من جانب "حزب الله". مثل هذا الرد سيمر على الأرجح بأن يطلب "حزب الله" – سواء عبر قيادته أو عبر مرجعياته الروحية – من العناصر الشيعة الانشقاق عن صفوف الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية.
ويمكن أن يلي ذلك تحرك عسكري من "حزب الله" للسيطرة على بعض المقرات الأمنية والعسكرية اللبنانية في العاصمة بيروت، خصوصًا في محيط الضاحية الجنوبية، المعقل التاريخي لـ"حزب الله".
هذا المشهد يشبه ما حصل خلال ما يعرف بـ"انتفاضة السادس من شباط" 1984 التي قادها نبيه بري ووليد جنبلاط وحلفاؤهما من الرافضين للاتفاق الذي توصل إليه الرئيس اللبناني أمين الجميّل مع إسرائيل (ما يعرف باتفاق "17 أيار 1983).
شهدت تلك الانتفاضة انشقاق وحدات كبيرة من اللواء السادس في الجيش اللبناني، خصوصًا في مقره الرئيس في ثكنة "هنري شهاب" في الضاحية الجنوبية، وانضمامها إلى قيادة حركة "أمل"، وإطلاقها النار على باقي وحدات الجيش اللبناني التي بقيت موالية للرئيس الجميّل.
سيناريو الانشقاقات
التفاصيل الديمغرافية، مع تشكيل المسلمين الشيعة في لبنان ما بين 30 و40% من إجمالي السكان، تسهل من احتمال حصول سيناريو الانشقاقات في الوحدات العسكرية والأمنية في لبنان.
وقد يروج "حزب الله" لمثل هذه الانشقاقات على أنها ضرورية لمواجهة عمليات الإقصاء والنقل والتسريح التي يتداول أنها تجري حاليًا بحق الضباط المحسوبين على "حزب الله" والموجودين في بعض المفاصل الأمنية الحيوية – وعلى رأسها أمن مطار "رفيق الحريري" الدولي.
تكثر القراءات والتحليلات حول رد الحزب على الورقة الأميركية خصوصا وان موقفه ضعيف ماليا وعسكريا ولا يزال يرفع من سقف مطالبه عله يصحل بعضا منها.