تُمثّل الامتحانات الرسمية لشهادة الثانوية العامة في لبنان، والمعروفة أيضًا بـ»البكالوريا الرسمية»، ذروةَ مسيرة تعليمية شاقة، وبوابةً لا غنى عنها نحو المستقبل الأكاديمي والمهني للطلاب في لبنان. بيد أن الامتحانات هذا العام مثقلة بتحديات غير مسبوقة، فالعام الدراسي لم يكن كسابقه، إذ تَعثرت بدايته بشكلٍ قاسٍ من جراء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وما تبعه من توترات أمنية وتداعيات طالت كلّ ركن من أركان المجتمع اللبناني، لتُلقي بظلالها على قاعات التدريس ومصير الطلاب وفق ما ورد في "نداء الوطن".
قلقٌ ممتزج بالأمل
للوقوف على نبض الشارع الطلابي، التقينا عددًا من طلاب الثانوية العامة لاستطلاع آرائهم ومخاوفهم قبيل خوض غمار الامتحانات.
ريان، أحد طلاب الثانوية العامة - فرع الاقتصاد والاجتماع، يكشف عن حجم الضغوطات التي يواجهونها، موضحًا: «الضغوطات هائلة، خصوصًا أن المنهج لم يتم التعديل عليه بشكل كبير هذا العام، ونبذل قصارى جهدنا». ويشير ريان إلى بعض التناقضات في المناهج، قائلاً: «مادة علم الاجتماع اقتصرت على إلغاء فصل واحد، بينما أضيف إلى مادة الاقتصاد فصل كامل عن الزراعة لم يتم السؤال عنه منذ خمس سنوات».
من جهتها، تتحدّث زميلته ميلاني، عن روتينها الدراسي الشاق، قائلةً: «لا أنام قبل الرابعة فجرًا، وأستيقظ منذ الصباح الباكر للدرس. مواد الحفظ كثيرة كالتاريخ والفلسفة». وتلفت ميلاني إلى التفاوت في تدريس المناهج بين المدارس، مضيفةً: «بعض المدارس درّس الفصول الأولى من الفلسفة فقط، بينما نحن درسنا المنهج كاملًا. لا أعلم كيف ستكون الأسئلة».
وتعرب الطالبة البيروتيّة عن قلقها المشترك مع زملائها، مؤكدةً: «لقد مررنا بالمشاكل نفسها التي عانت منها المناطق المتأثرة بالحرب. نتمنى أن تكون الامتحانات أسهل، خاصة في مواد مثل الاقتصاد وعلم الاجتماع». وتختم ميلاني حديثها بالقول: «الخوف يعترينا، إذ نلاحظ أن الأسئلة كانت صعبة في السنوات السابقة».
أما حوراء، الطالبة الجنوبيّة في الصف الثالث الثانوي العلمي، فتعبّر عن مخاوفها بكلمات مُثقلة: «بدأ العام الدراسي بتأخير كبير، وكنا نخشى أننا لن نتمكن من إكمال المنهاج. صحيح أننا عدنا إلى المدارس، ولكن الأجواء لم تكن مستقرة أبدًا. الخوف من التصعيد كان حاضرًا ما أثّر بشكل كبير على تركيزنا وقدرتنا على الدراسة بشكل طبيعي. نشعر بضغط مضاعف؛ فبالإضافة إلى عبء الامتحانات، هناك قلق مستمر على وضع البلد».
من ناحيته، يعتبر شربل، وهو طالب في الصف الثالث الثانوي الأدبي من بيروت، أنّ «بعض الأساتذة اضطر للتغيّب بسبب الوضع الأمني، والحصص لم تكن منتظمة. نتمنى فقط أن تُراعى هذه الظروف عند التصحيح، وأن تكون الأسئلة من ضمن ما تمت تغطيته فعليًا في الصفوف».
وتُشير دانا، طالبة من منطقة البقاع إلى تحدٍ آخر: «أزمة الكهرباء وشح المحروقات كانت عائقًا كبيرًا أمام الدراسة في المنزل، خاصة في ليالي الشتاء الطويلة. كيف يمكن لطالب أن يركز مع انقطاع التيار الكهربائي المتواصل؟ ناهيك عن الضغوط النفسية والمعيشية التي نعيشها كعائلات».
حرب: صمود أمام الظروف الاستثنائية
من جهته، يؤكد مدير القسم الثانوي في مدرسة السيدة للراهبات الأنطونيات الحازمية - الجمهور د.روي حرب التزام الإدارة بتوفير أفضل الظروف التعليمية رغم التحديات. ويقول في حديث لـ «نداء الوطن»: «واكبنا تلامذتنا بسلسلة من الامتحانات الأساسية كي نؤكد أن كل المعلومات باتت مفهومة ومدروسة بشكل جيد».
وعن التحديات الراهنة، يلفت إلى أنّ «الوضع الأمني يشكل التحدي الأبرز، والمخاوف الناتجة عنه تؤثر بشكل مباشر على الوضع النفسي للتلاميذ، إذ لا يعلمون ما إذا كانت المناطق والمدارس التي سيُجرون فيها الامتحانات الرسمية آمنة». كما يفيد حرب بوجود تحدٍ ثانٍ يتعلّق بغياب المواد الاختيارية. ورغم الجهود التي بذلت في المدرسة لتحقيق الشمولية في الامتحانات، إلا أن بعض التلاميذ كانوا يأملون في اختيار بعض موادهم».
وشدد على جاهزية الطلاب نفسيًا، يوضح حرب أنّ «التلاميذ باتوا متحضرين نفسيًا بفضل المواكبة واللقاءات والنصائح المستمرة من الأساتذة. أما نتائج امتحانات المدرسة فتصدر سريعًا كي ننبّه الطلاب إلى أخطائهم ونشرحها لهم، فضلًا عن اجتماعات مكثفة مع الأساتذة حتى نصل إلى الامتحانات الرسمية، حيث نواكبهم ونرفع من معنوياتهم».
ويختم حرب حديثه بالثناء على جهود وزارة التربية «إزاء إعادة النظر في البرامج التربوية اللبنانية على غرار برامج البكالوريا الفرنسية والدولية التي تقوم بتعديل مناهجها دوريًا».
الأب نصر: أهمية إجراء الامتحانات
من جهته، يشدد الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان الأب يوسف نصر على «الأهمية القصوى لإجراء الامتحانات الرسمية في موعدها المحدد وبالطريقة المناسبة»، مؤكدًا «ضرورة الحفاظ على مستوى التربية والتعليم في لبنان، خصوصًا أنّ الشهادة الرسمية تُعدّ كـ»آلية فرز» مهمة جداً، تعكس درجة التحضير الأكاديمي للطلاب».
ويضيف الأب نصر في حديث لـ»نداء الوطن» أنّ «تحضيرنا للإمتحانات تم على أكمل وجه، لقد أنهينا البرامج الدراسية وفقاً لما هو مطلوب من المركز التربوي للبحوث والإنماء، بعد أن تم تعديل المناهج نسبةً للتفاوت في التدريس بين منطقة وأخرى».
وعن الصحة النفسية للطلاب، يشير الأب نصر إلى أن «الموضوع كان لازمًا وأساسيًا لتهيئة الطلاب بشكل مناسب، لضمان قدرتهم على خوض الامتحانات بأريحية وثقة».
التعليم في مهب الأزمات
لم تكن الحرب الإسرائيلية على لبنان مجرد حدث عابر، بل لها تداعيات عميقة على مختلف القطاعات، بما فيها القطاع التعليمي. بداية العام الدراسي تعثرت لأيام وأسابيع في بعض المناطق، خاصة الجنوبية، حيث اضطر الطلاب للنزوح أو البقاء في منازلهم تحت القصف والخوف. ألقت هذه الظروف بظلالها على العملية التعليمية برمتها:
- انقطاع الدراسة وتشتّت التركيز.
- الضغوط النفسية والخوف.
- البنى التحتية المتضررة.
- التأثير الاقتصادي.
وزارة التربية: بين التحديات والحلول
تجد وزارة التربية والتعليم العالي نفسها أمام مهمة صعبة؛ فالموازنة بين الحفاظ على معايير الامتحانات الرسمية التي تُعدّ معيارًا للدخول الجامعي، ومراعاة الظروف الاستثنائية التي مرّ بها الطلاب، هو تحدٍ كبير. وقد سعت الوزارة إلى اتخاذ بعض الإجراءات للتخفيف من هذه الأعباء، مثل تكثيف الحصص الدراسية أو تعديل بعض الجداول الزمنية، لكن هذه الإجراءات قد لا تكون كافية لتعويض الفاقد التعليمي الكبير أو تخفيف الضغط النفسي المتراكم.
وكان المدير العام للتربية ورئيس اللجان الفاحصة فادي يرق عقد مؤتمرًا صحافيًا صباح أمس في وزارة التربية بحضور معاوني رئيس اللجان الفاحصة والإداريين المعنيين وعرض الأرقام وفيها أن 42728 مرشحًا يتوزّعون على 229 مركزًا ، ويشارك في أعمال الامتحانات نحو 9400 أستاذ ومعلم منهم 7800 في المراقبة، كما أنه سينتج عن هذه الامتحانات نحو سبعمائة ألف مسابقة للتصحيح.
ولفت إلى أنّ «عدد المرشحين من ذوي الاحتياجات الخاصة والصعوبات التعلمية يبلغ 640 مرشحًا»، مؤكدًا «الجهوزية التامة في الوزارة والمناطق التربوية، حيث تم توزيع المهام مع دائرة الامتحانات ومعاوني رئيس اللجان الفاحصة، وبالتالي فإن جميع المدراء ورؤساء المصالح ورؤساء الدوائر ورؤساء المناطق التربوية يمتلكون مهامّ محددة من متابعة التلامذة والأساتذة والإجابة على الخط الساخن والمراقبة».
وطمأن المدير العام للتربية «جميع المرشحين إلى أنّ الأسئلة مطابقة للمناهج المعتمدة وغير تعجيزية»، داعيًا الطلّاب «إلى عدم الأخذ بالشائعات لأن كل مضمون الأسئلة سيكون من المنهج المعتمد ووفقًا للدراسة والتوصيات التي وردت من المركز التربوي للبحوث والإنماء لجهة الدروس المنجزة، وضمن التوصيف المعتمد لأسئلة الامتحانات الرسمية».
وأشار يرق إلى أنه «تم الكشف على كل المعدات والتجهيزات إن كان في الإدارة المركزية ومراكز الامتحانات والتصحيح»، مؤكدًا أنّ «الكاميرات تعمل بشكل ممتاز وخدمة الإنترنت سريعة».
أما من الناحية الأمنية فقد شدد يرق على أنّ «الطوابق السفلى في الوزارة وهي المخصصة للّجان الفاحصة تقع تحت حماية مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، وبالتالي فإن كل الطوابق التي يوجد فيها عمل للامتحانات الرسمية تم عزلها عن التواصل بوسائله كافة وبواسطة التشويش أيضًا». كما شكر عناصر قوى الأمن الداخلي، خصوصًا أنّ إيصال المسابقات وحماية مراكز الامتحانات يقع على عاتقهم.
وأضاف: «هناك تعليمات واضحة للقوى الأمنية بمنع السماح بإدخال أي أجهزة هاتف أو ساعات ذكية أو أي وسيلة اتصال مهما كان نوعها إلى مراكز الامتحانات، وطلبنا من المرشحين عدم إدخال أي جهاز تواصل تحت طائلة الإقصاء من الامتحانات .»لافتًا الى أننا «سنكون حاسمين جدًا لجهة مراقبة الغش، وبالتالي فإنه من حق كل تلميذ تعب واجتهد خصوصًا في المناطق الصعبة أن ينال حقه بالنجاح».
وكرّر يرق الإشارة إلى منع الهواتف والساعات والآلات الذكية والآلات الحاسبة غير المطابقة للمواصفات المقبولة في الامتحانات لأنه ستتم مصادرتها، مشيرًا إلى أنّ «المكتب الإعلامي في الوزارة سوف ينشر شرعة الحقوق والواجبات لكل مرشح». وجدّد يرق التذكير بالخط الساخن المخصص للامتحانات الرسمية وهو 01772050 .
دعوة إلى الدعم والتقييم العادل
إنّ الامتحانات الرسمية لهذا العام ليست مجرد اختبار أكاديمي فحسب، بل هي شهادة لصمود الطلاب والمعلّمين في وجه التحديات والصعوبات. من الضروري أن تُراعى هذه الظروف الاستثنائية عند تقييم أداء الطلاب، ليس من باب التهاون، بل من باب العدالة والإنصاف. كما بات من الضروري فتح نقاش جاد حول آليات الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب، ليس فقط خلال فترة الامتحانات، بل كجزء لا يتجزأ من العملية التعليمية في لبنان، الذي يعيش أزمات متتالية. فنجاح هؤلاء الطلاب ليس فقط نجاحًا فرديًا، بل هو استثمار في مستقبل لبنان، الذي يحتاج إلى عقول واعدة وقادرة على النهوض به رغم الصعاب كافة بحسب "نداء الوطن".