عن العنف والتضحية غير المجدية

لقد بات ترف أي مجتمعٍ يقاس بمستوى أمنه أولاً؛ ومن ثمّ تأتي بقية المعايير الأخرى. وبرغم مشاهدة أحداث عنف كبيرة وحروب غير مبررة في الإقليم بيد أن إرهاب الحركات الأصولية الذي طبع أواخر القرن العشرين وأبحر سابحاً بالدماء منذ بدء الألفية الجديدة، وإلى اليوم يعتبر أكثر شراسة، وذلك لمخاتلته، ولطريقة حركته، وتجدد خططه.

فهو ليس عنفاً إجرامياً فحسب، بل عنف آيديولوجي ليس له هدف مادي دنيوي محدد يمكن ردعه، وإنما يغدو القتل هدفاً، والانتحار غاية، حتى وإن رفعت شعارات الخلافة وما يتفرّع منها.

لا تتعلق المسألة بالتحليل الاعتيادي لمعنى العنف، ولا التعليل الاجتماعي، أو النفسي، فضلاً عن السياسي، بل عن العلاقة بين العنف وفكرته، بين الإرهابي ومقدّسه، وذلك انطلاقاً من أصل التضحية.

وتلك كانت ميزة مقاربة رينيه جيرار في كتابه المهم «العنف والمقدس» وهو بحث أنثربولوجي يسبر أصول العنف والتضحية ليس انطلاقاً من التأويلات والمخاتلات، بل والمتخلّقة من رحم الثقافات بكل أطيافها. فهو يبحث في العلاقات بين التضحية والمقدس والعنف.

بينما الأطروحة الأكثر رصداً لعلاقات العنف والمجتمع والإرهاب، فهي لأستاذ الفلسفة بجامعة «ريتسوميكان» بول دوموشيل وقد عنونها بـ«التضحية غير المجدية - بحث في العنف السياسي». الكتاب أهداه المؤلف لرينيه جيرار.

بول دوموشيل حلل معنى العنف حتى لدى آكلي لحوم البشر كما في عَوْده المتكرر لطرح آلان كوربن في كتابه «قرية آكلي لحوم البشر»، والذي يحلل فيه حادثة عنف جماعي حدثت في إقليم دوردوني خلال حرب عام 1870.ومن ثمّ يدخل على خطّ مفهومي مهم نحتتْه حنة أرندت، وهو «تفاهة الشر»، ويشرّحه باعتباره «يعبر عن اندهاش أمام ما يمكن أن نسميه بـ(عدم تقديس الجلاد)، ذلك أن ضخامة الجريمة وبشاعتها لا تمنحان أي عظمة لذاك الذي اقترفها، وأنهما لا تحيطانه بهالة مقدسة، ولا تمنحانه أي صفة غير عادية شريرة، تتناسب مع أفعاله، إزاء الإنكار الذي تظهره نفسيته وأساليبه. إن تفاهة الشر تميل بالجلاد إلى مستوى ضحاياه المجهولين، والذين لا وجه لهم، إنهم أعداد لا تحصى من أناسٍ غير معروفين».

الخلاصة؛ إن العنف سيجعل مستقبل العلاقات بين البشر والثقافات والشعوب على المحك. وسينعكس أثره حتى على مسائل التواصل والسياحة والتعلم، ما يعزز من فرضيات الصراع بدلاً من التفاهم والتواصل والتسامح، وقد تستغل التيارات العنيفة ثورة الذكاء الاصطناعي، وهذا هو الأخطر، رغم ذلك ينبغي التفاؤل الأساسي بوعي دول الاعتدال وسياساتها الحيوية في سبيل صد أي تحدٍ يهدد الأمن، خاصة أمن المجتمع ووعيه.

الاتحاد

يقرأون الآن