تتصاعد حدّة التوتر داخل إقليم كردستان العراق، مع انفجار أزمة غير مسبوقة بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" وواحدة من أبرز العشائر الكردية، عشيرة الهركية، التي تُمثّل أحد الأعمدة الاجتماعية والسياسية في الإقليم، وأحد الخزّانات البشرية التقليدية لقوات البيشمركة.
الأزمة التي خرجت من جغرافيا العشيرة في منطقة بارزان، تحوّلت إلى مواجهة علنية بين الطرفين، تهدّد بانقسامات داخل النسيج القبلي الذي يستند إليه الحزب في شرعيته التاريخية.
جذور الخلاف: "تطهير" أم "تنظيم"؟
وتعود جذور الخلاف إلى حملة فصل وتجميد طاولت ضباطاً ومقاتلين من الهركية داخل صفوف البيشمركة، بتهم تتعلّق بـ"عدم الانضباط" و"الولاء المزدوج". غير أن مصادر عشائرية ترى أن "الحملة كانت استهدافاً سياسياً منظّماً، وجزءاً من محاولة تطهير غير معلنة داخل المؤسستين العسكرية والأمنية، تهدف إلى كسر مراكز القوة المستقلّة داخل الحزب".
وانتقل الخلاف سريعاً إلى العلن بعد تداول تسجيلات مصوّرة لضباط هركيين يتحدّثون عن "الإهانة" و"التمييز"، ما دفع وجهاء العشيرة إلى إصدار بيان شديد اللهجة، اتهموا فيه الحزب بـ"التخلي عن أبناء بارزان"، وهدّدوا بـ"سحب أبنائهم من المؤسسات الأمنية والعسكرية إذا استمر التهميش".
وقال الشيخ كاميران الهركي، أحد أبرز وجهاء العشيرة: "كنا سنداً للحزب الديمقراطي في أيام القتال ضد داعش، ولن نقبل اليوم بأن يُقصى أبناؤنا ظلماً. المسألة لم تعد إدارية بل تمسّ كرامة العشيرة وتاريخها النضالي"، بحسب صحيفة الاخبار اللبنانية.
في حين قال الشيخ خورشيد الهركي، أحد وجهاء العشيرة أيضاً، إن "ما حدث كان كارثة حقيقية ومفاجئة، وكنا على شفا انفجار اجتماعي واسع"، مضيفاً أن "العشيرة لجأت فوراً إلى رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، الذي تدخّل بشكل مباشر إلى جانب رئيس الحكومة، مسرور بارزاني، لتهدئة الموقف". وأشار إلى أنه "تمّ تشكيل لجنة خاصة لفضّ النزاع ومنع تكراره، ونحن نثمّن دور القيادة السياسية التي تعاملت بحكمة وسرعة".
صراع خفي على النفوذ
في المقابل، نفى مسؤول إعلام "الحزب الديمقراطي" في أربيل، دلشاد شريف، في تصريحات صحافية، وجود أي نوايا عدائية تجاه العشيرة، موضحاً أن "الإجراءات الأخيرة تنظيمية وليست سياسية. ونرفض أي محاولة لتأطيرها بعناوين عشائرية. الحزب يحترم جميع مكوّنات الشعب الكردي". لكنّ مصادر في قيادة البيشمركة أكّدت، أن "هناك صراعاً داخلياً خفياً على النفوذ داخل المؤسسة الأمنية، خصوصاً بعد إعادة هيكلة بعض الألوية وتبديل قادة مقرّبين من الهركية".
وتعليقاً على ذلك، يرى الباحث السياسي الكردي، ريزان عبد القادر، أن "ما يجري هو مؤشّر خطير إلى تهالك العلاقة بين الحزب والعشائر التي طالما كانت جزءاً من شرعيته الاجتماعية. هذه المرة الخلاف بلغ عمق المؤسسة العسكرية، ما قد يؤدي إلى تفكّك داخلي".
مقاطعة الحزب انتخابياً
وفي ظل غياب وساطة فعّالة، ومحاولات لاحتواء الغضب العشائري عبر إرسال وفود حزبية، تبدو بوادر التهدئة مؤقّتة، خصوصاً مع تزايد الدعوات داخل العشيرة إلى مقاطعة الحزب انتخابياً، وتشكيل كيان سياسي مستقلّ، وفقا للصحيفة.
وكانت وزارة الداخلية في حكومة الإقليم أصدرت بياناً ذكرت فيه أن "التوتّر الذي شهدته بلدة خبات نجَم عن خلافات بين بعض الأفراد حول أراض، وقد تمّ احتواء الوضع سريعاً بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وأهالي المنطقة"، مشدّدة على ضرورة "عدم الانجرار خلف المحرّضين، والتزام الهدوء للحفاظ على استقرار الإقليم".
وأضاف البيان أن "الحادثة أسفرت عن خسائر في الأرواح والممتلكات، وبفضل جهود الحكومة والأحزاب المعنية وقوات الأمن الداخلي، تمّ احتواؤها بسرعة. وبمساعدة أهالي المنطقة، هدأت الأوضاع، وبدأت الإجراءات القانونية لفضّ النزاعات ومعاقبة المخالفين".
وعلى الرغم من عودة الهدوء النسبي إلى خبات، إلا أن أوساطاً عشائرية تعبّر عن قلقها من "تكرار سيناريوات مماثلة إذا لم تُراجَع العلاقة بين الحزب والعشائر على أساس عادل". وبينما تسعى القيادة الكردية لاحتواء الموقف عبر لجان مشتركة، يسود الاعتقاد بأن ما جرى ليس سوى إنذار أولي بانفجار أكبر، قد يهزّ مرتكزات الحكم في كردستان.