منوعات

المكاري في مهرجان الكتاب: لبنان الكلمة والحرف سيبقى من ذهب

افتتحت الحركة الثقافية - انطلياس المهرجان اللبناني للكتاب بنسخته الأربعين بعنوان "ثقافة الحرية والمئوية الثالثة للحضور الانطوني في انطلياس"، في احتفال بمقرها في دير مار الياس، بحضور وزيري الاعلام والثقافة في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري القاضي محمد وسام المرتضى، النائب ادغار طرابلسي، رئيس الجامعة اللبنانية البروفسور بسام بدران، رئيس بلدية انطلياس ايلي ابو جودة، وممثلي القيادات الامنية وشخصيات رسمية وسياسية وقضائية وروحية وفكرية وتربوية.

الامينة العامة للحركة نايلة أبي نادر أكدت أن "الكلمة نور، والفكر مسار نحو الحرية، والنهج مقاومة للجهل والتعصب والتقوقع في الظلمة".

وقالت: "وسط الأمواج العاتية عقدت الحركة الثقافية، أنطلياس العزم على استعادة أنفاسها، ولملمة قواها، فقررت أن تغامر لتخوض بعد انقطاع ثلاث سنوات غمار تجربة كانت قد بدأتها منذ ما يزيد على أربعة عقود. عند اشتداد القلق وضياع البوصلة وتفاقم الخوف على المصير، تصبح الثقافة والكتابة ترفا مؤجلا ومشتهى، مع ذلك، بادرنا إلى إرسال الدعوة التي لبتها مجموعة من دور النشر، والمهتمين بأمور الكتاب، إنهم شركاؤنا في مواجهة التحديات الراهنة، وهي كبيرة.

أما وزير الاعلام زياد المكاري فقال: "لا ينمو الجسم الا بالرياضة والطعام، ولا ينمو العقل الا بالمطالعة والتفكير. هذا ما يقوله مثل ألماني. أما نحن في لبنان فنضيف: الكتاب بهجة الفكر وزاد العقل ومحرك الثقافة".

اضاف: "يستحق الكتاب أن نحتفل به في مهرجان، كما في كل سنة، كما تستحق حركة أنطلياس الثقافية أجمل تحية لحرصها الدائم على هذا التقليد الثقافي الحضاري الذي يشكل علامة ساطعة ومتوهجة في ليل هذا الوطن".

وتابع: "يضيق الأفق السياسي كأنه لن يتسع مجددا، ويتسع الأفق الثقافي كأنه لن يضيق. هذه هي المعادلة - المفارقة في بلادي. مهما بدا المشهد مأزوما، هناك من يغالب الأزمات ويكافح الضيقات ويملأ الفراغ بوزنات فكرية ومحمول ثقافي أبدي، هو كل تاريخنا الناصع والذي سيبقى ناصعا ويمتد الى حاضرنا والمستقبل، كيف لا والحركة الثقافية في أنطلياس هي الساهر الدائم على إرثنا والأمين الحكيم على كتابنا وحرفنا الذي هو حرفتنا؟".

وقال: "عندما تشتد الازمات وتحكم قبضتها على وطن صدر الحرف وأسس أعرق الصروح التربوية، فلا بد أن يأتي الترياق من الكتاب، ومنه ابتدأ كل شيء. ونحن على بعد أمتار من عامية أنطلياس، وفي قلب مهرجان الكتاب وفي رحاب الحركة الثقافية، نشعر بأننا نجمع المجد من أطرافه كلها".

اضاف: "رب قائل إن الكتاب من عصر أفل، ورب متسائل عن جدواه في عصر الرقمنة والتطور التكنولوجي الهائل والألواح الذكية والتطبيقات الغنية… والجواب واحد وتلقائي: لا قيمة تضاهي قيمة كتاب محمول يكتنز بين دفتيه فكرا أصيلا وليد بحث عميق وعلم راسخ لا يجنح الى سرعة أو تسرع ولا يطلب شهرة أو كثرة متابعين. الكتاب مقيم في الوجدان مهما تطورت التكنولوجيات وتسارعت الأصابع نقرا على الهواتف والألواح الالكترونية. نعم، هو مقيم في الوجدان وإن كان على رفوف المكتبات، يكتفي بذاته وآدابه وعلومه وتاريخه. رائحة أوراقه تزكم الأنف، وملمسه بين اليدين يثري الفكر ويمتع العين معا. أوليس الكتاب أصل كل العلوم وأساس كل فكر؟ هو الدستور والقاموس والتاريخ والأدب والثقافة والإنجيل والقرآن! الكتاب هو كل شيء. ولو لم يكن لما ولدت مشتقاته ومتفرعاته الرقمية التي أضافت إليه ولم تلغه، كما يعتقد البعض".

وتابع: "اليوم مهرجان الكتاب وعرسه، واليوم نحتفل نحن ويفرح جبران خليل جبران ومخايل نعيمة وميشال شيحا وشارل مالك وسعيد عقل وغسان تويني وامين معلوف … وتطول اللائحة ولا ينتهي الحديث عن أهل القلم والفكر والعلم والكتاب. هوذا لبنان الوجه المشرق والبهي، لبنان الكلمة والحرف، والذي سيبقى من ذهب مهما التهبت النيران والتهمت، وفي النار يمتحن الذهب. هنيئا للحركة الثقافية في انطلياس بموسمها الفكري الجديد، وهنيئا لنا بهذه الحركة الراقية وبصنيعها الفكري المخلد في كتب تتسم بصفة البقاء أبد الدهر. وسنكون كل يوم على موعد مع مولود ثقافي جديد يثري مكتبتنا وتوقيع يسطر علومنا والآداب".

وأردف: "هنا أود أن أشير الى أنه كان لدينا مشروع مع الحركة الثقافية - أنطلياس لأنكم كما تعلمون، هذه السنة جامعة الدول العربية قررت أن تكون بيروت عاصمة الإعلام العربي، وعندما مثلت لبنان في اجتماع مجلس وزراء الإعلام العرب في القاهرة لم أتردد في قبول هذا التحدي بالرغم من كل الظروف التي بلغناها. فعندما كنت في مصر كان سعر الدولار نحو ثلاثين ألفا، وقد بلغ اليوم التسعين ألفا ولا نزال سائرين في الموضوع".

وقال المكاري: "هي بيروت، لذلك وافقت ونحن متميزون عن باقي محيطنا لأننا لا نفرغ من الفاعليات الثقافية والأدبية والفنية والإعلامية والإعلانية وكل ما يتعلق بالثقافة والصحافة وتاريخ هذا البلد وأهميته بين الدول العربية وهذا ما تؤرخه جريدة الأهرام مع ما للبنان من بصمات عليها".

اضاف: "ان الحركة الثقافية هي الشريكة وستبقى حتى بعد تأجيل موعد الإفتتاح الذي كان مقررا في الرابع والعشرين من الشهر الماضي، فبعد وقوع الزلزال في تركيا وسوريا وارتفاع سعر الدولار لم تعد الظروف مؤاتية خاصة وأن الزملاء في الدول العربية تمنوا علي تأجيل هذا الموضوع الى ما بعد شهر رمضان المبارك".

وختم: "ان شاء الله سنبقى شركاء، معكم أنتم الفدائيون في الحركة الثقافية - أنطلياس وإن شاء الله سيكون عاما مليئا بأجمل فعاليات لأجمل بيروت".

وختاما، قال وزير الثقافة محمد المرتضى: "على ربوة قريبة من ههنا، وقف مرة أمير الشعراء الأخطل الصغير، متطلعا صوب البحر باتجاه بيروت، وأنشد للمدينة العاصمة قصيدته التي فيها يقول:  فدت المنائــــــر كلهـــن منارة هي في فم الدنيا هدى وتبسم ما جئتها إلا هداك معلم  فوق المنابــر أو شــــجاك متيــــم . وفي منزل قريب من ههنا، نصب الأخوان رحباني سلم موسيقاهما، ووضعا لهذه القصيدة لحنا رائعا،غنته فيروز، أيقونة الإبداع اللبناني".

اضاف: "ودائما ههنا، منذ عقود طويلة، تقيم الحركة الثقافية في أنطلياس مهرجان الكتاب السنوي، كأنما هذه البقعة من ثرى لبنان منذورة للثقافة، بكل أبعادها، فلا تنفك فيها أعراس الحرف واللحن واللون معقودة الأيام والليالي، في صورة تعكس حقيقة لبنان... وطن الأبجدية والوطن الرسالة".

وتابع: "هكذا وعى جيلنا والأجيال التي سبقته دور لبنان: إنه مطبعة العالم العربي، عبارة كنا نسمعها، ونرى فعلها في ذلك الحشد المعرفي من المكتبات والمطابع والصحف ودور النشر، قبل غزوة المجتمع الرقمي، وقبل تقاعد الكتاب وتحوله إلى جزء من الأثاث المنزلي، ينفض عنه الغبار كلما دعت الحاجة".

واردف: "لا شك في أن زمن القراءة الذي صنعته بيروت عبر معارض الكتب أسس لمرجعية لبنان الثقافية، حيث تحول بفضل مساحة الحرية التي فيه إلى ملاذ للمفكرين والكتاب والناشرين في العالم العربي، وإلى مصدر لبث الوعي في كل أنحاء الشرق".

وقال: "لما أتى زمن الحضارة الرقمية التي هي مسار طبيعي للحداثة المعاصرة، تبين أنها على فائدتها الكبيرة ويسر تناولها، قد تخلو من موضوعية المصادر، وتتفاوت في دقة المعلومات والأفكار التي تقدمها ما يجعل من العودة إلى المرجع المطبوع ممرا إلزاميا لتقصي الحقيقة".

اضاف: "لست أقول هذا انحيازا إلى الكتاب الورقي، رغم أنني منحاز إليه فعلا، بل للوصول إلى معطى مستجد نعاني منه كلنا، وهو أن واحدا من وجوه أزماتنا المتعددة، يكمن في أننا صرنا نخرج أجيالا لا تقرأ، لا في الكتاب الورقي ولا الرقمي. هذه مسؤولية تبدأ من مقاعد الدراسة وتمر بالبيئة المنزلية، وصولا إلى دور الإدارات المركزية والمحلية، والمجتمع المدني أيضا، في إنشاء المكتبات العامة التقليدية والإلكترونية وتنشيط القراءة بجميع الوسائل، وبخاصة لدى الشباب الذين أنتجت هجرتهم للكتاب، هذا التدهور الكبير للغة العربية على الألسنة وفي الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت الحروف العربية فيها إشارات وأرقاما، ما يحتم علينا وضع خطة لحماية اللغة من هذا النكوص؛ وليس أجدى من القراءة والكتاب وسيلة لذلك".

وتابع: "ان الكتاب أيضا أمضى سلاح في معركة الوعي التي تخاض ضد هويتنا. لأن العدو يهدف إلى إلحاق الهزيمة بنا عبر التجهيل. فكلما تناقصت معارفنا ازدادت هشاشة مناعتنا الفكرية والقومية. أعداء لبنان يستهدفون دور لبنان الإشعاعي والتعددي الذي يعبر عنه دور الكتاب وحركة النشر في بلدنا".

وقال: "ان معرض الكتاب في انطلياس منارة ثقافية كبيرة بتاريخها، وقد اجترحت صمودها بالرغم من الحالة الإقتصادية المأزومة، فحافظ المعرض على ديمومته، ناشرا قيم التعددية والحرية، وتحول إلى ورشة تلاقح ثقافي مبدع ومسؤول حيث يعتبر نشاطه حالة معرفية على رقعة الوطن بكامله تتوالف فيه الأفكار في مختلف صنوف المعرفة من سياسة واقتصاد وشعر ورواية وتاريخ وتوثيق. ولهذا نشد على أيدي المنظمين، ونعترف بتقصير الدولة في مواكبة ودعم هذا المعرض ونأمل بعد انجلاء الغيمة عن حاضرنا المأزوم أن يكون المعرض في صلب أولويات خطة وطنية ثقافية جامعة تعيد الألق إلى بلدنا، وتخلق محفزات لدور النشر والكتاب والمفكرين في لبنان".

اضاف: "نجدد بمناسبة هذا المعرض الذي يمثل فعالية ثقافية فائقة الأهمية، الإعلان أن وزارة الثقافة وبالتعاون مع اتحاد الناشرين اللبنانيين وبالتنسيق مع جهات عربية ودولية سوف تعمد ان شاء الله الى تنظيم معرض دولي للكتاب في اوائل الخريف المقبل".

وختم: "بورك هذا المعرض، مشكورة جهود القيمين على اقامتها، والى فعاليات ثقافية أخرى على الرغم من كل التحديات".

وبعد قص شريط الافتتاح، جال المكاري والمرتضى مع الحضور في أقسام المعرض الذي يستمر يوميا لغاية 12 الحالي، من الثالثة بعد الظهر حتى التاسعة مساء.

يقرأون الآن