إقتصاد آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

الاقتصاد العالمي ينمو.. هل الحرب التجارية على كوكب آخر؟

الاقتصاد العالمي ينمو.. هل الحرب التجارية على كوكب آخر؟

رغم موجة الرسوم الجمركية غير المسبوقة التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ إعلانه يوم «التحرير التجاري» في مارس الماضي، تُظهر مؤشرات الاقتصاد العالمي قدرة لافتة على الصمود، بل ومرونة فاجأت حتى كبار الاقتصاديين وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال.

فبعد نحو أربعة أشهر على بدء تطبيق الرسوم الجديدة، ظل النمو العالمي مستقرًا نسبيًا، مع تحسن في مؤشرات التجارة، واستمرار النشاط الصناعي والاستثماري في معظم مناطق العالم، في وقت أعادت فيه الشركات ترتيب سلاسل توريدها وتكيّفت مع واقع تجاري أكثر غموضًا.

وفقا لتقديرات بنك «جي بي مورغان»، نما الاقتصاد العالمي بمعدل 2.4% في النصف الأول من 2025، وهو معدل قريب من الاتجاه التاريخي الطويل الأجل. وساهمت حركية الأسواق المالية وانتعاش مؤشرات الأسهم على جانبي الأطلسي في تعزيز الثقة الاقتصادية.

وفي تقرير موازٍ، قالت «غولدمان ساكس» إن مؤشرات الاستثمار والتوظيف الصناعي والإنفاق بقيت مستقرة عالميًا، مدفوعة بجاهزية الشركات التي اكتسبت خبرة مرنة خلال جائحة كوفيد، بما في ذلك تنويع سلاسل الإمداد وبناء مخزونات احتياطية.

تكيف الشركات والأسر مع الصدمة

أوضح اقتصاديون أن سلوك المستهلكين والشركات جاء أكثر عقلانية من المتوقع، إذ لجأت الشركات إلى إعادة توجيه صادراتها نحو دول وسيطة تخضع لرسوم أقل، بينما زادت الأسر من الإنفاق رغم الغموض التجاري.

وأشارت إيزابيل شنابل، عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، إلى أن «حالة عدم اليقين يبدو أنها تؤثر على النشاط الاقتصادي بشكل أقل مما كنا نظن».

ومن جانبه، لفت ماركوس نولاند، نائب رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إلى أن الخطأ في التقديرات يعود إلى «سلوك السياسات التجارية الفوضوي»، والقدرة المفاجئة للشركات على التحوط وامتصاص الصدمة.

طفرة إنتاجية رغم الرسوم

في أوروبا، ارتفعت مؤشرات الطلبيات الصناعية والتوقعات المستقبلية إلى أعلى مستوياتها منذ ثلاث سنوات، خصوصًا في قطاع السيارات، رغم أن هذا القطاع يخضع لرسوم جمركية أميركية تصل إلى 25%.

أما في ألمانيا، فقد أعلنت شركة EBM Papst، المتخصصة في صناعة المراوح، عن خطط لتوسيع وجودها في الولايات المتحدة ببناء مصنع ثالث وتوسعة محتملة. وقال الرئيس التنفيذي، كلاوس غايسدورفر، إن بعض الزبائن الأميركيين يطالبون بزيادة الإنتاج المحلي كبديل عن الموردين الآسيويين، مما قد يعزز إيرادات الشركة في السوق الأميركية بنسبة تصل إلى 30%.

التجارة تتوسع من دون الصين

رغم التوتر بين بكين وواشنطن، لم تكن نتائج الرسوم مدمّرة كما خشي البعض. فقد تراجعت صادرات الصين إلى الولايات المتحدة بنسبة 10% خلال أول خمسة أشهر من العام، إلا أن الصادرات الصينية عمومًا ارتفعت بنسبة 6% بفضل التوسع في أسواق آسيا وأفريقيا وأوروبا.

ويبدو أن جزءًا من هذه البضائع الصينية أعيد تصديرها إلى الولايات المتحدة عبر دول مثل فيتنام وتايلاند والمكسيك. فقد سجلت واردات واشنطن من جنوب شرق آسيا ارتفاعًا بنسبة 28%، ومن آسيا عمومًا بنسبة 10%، لتبلغ 582 مليار دولار، رغم انخفاض التبادل المباشر مع الصين.

السوق الأميركية تتحمل التكاليف

داخليًا، حافظت الأسر الأميركية على مستويات ثروة مرتفعة نسبيًا، ما ساعد في الحفاظ على الإنفاق رغم ارتفاع الأسعار. وقالت سوزان كولينز، رئيسة الاحتياطي الفدرالي في بوسطن، إن هوامش أرباح الشركات المرتفعة سمحت بامتصاص جزء من تكلفة الرسوم دون تمريرها مباشرة للمستهلك.

وفي مثال لافت، ارتفع سعر جبنة «بارميزان ريجيانو» الإيطالية في الولايات المتحدة من 42 إلى نحو 45 دولارًا للكيلوغرام، بعد فرض رسوم إضافية بنسبة 10%، لكن المبيعات استمرت في الارتفاع بنسبة 9% في الأشهر الأربعة الأولى من العام.

ويعود ذلك جزئيًا إلى أن المستوردين سارعوا إلى تكوين مخزون قبل تطبيق الرسوم، إضافة إلى حملات تسويق نشطة، مثل رعاية بطولة ميامي للتنس والتعاون مع فريق نيويورك جتس لكرة القدم الأميركية.

أوروبا تحذّر وواشنطن تتشجّع

مع استمرار النشاط الاقتصادي، قد تمضي إدارة ترامب في تصعيد الرسوم الجمركية أكثر. لكن اقتصاديين يحذرون من أن التأثير قد يكون مؤجلاً، كما حدث مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي لم تظهر آثاره فورًا، بل تراكمت مع مرور الوقت.

وحذر ماركوس نولاند من أن الأثر الاقتصادي لا يُقاس فقط بفرض الرسوم، بل بمستواها. فرسم موحّد بنسبة 10% قد يكون محدود التأثير، لكن رفع النسبة إلى 30% أو 50% قد يُسبب اختناقًا تجاريًا واسعًا.

في هذا السياق، نبّهت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إلى أن رسومًا جمركية مرتفعة من هذا النوع قد «تجمّد حركة التجارة بين أوروبا والولايات المتحدة».

رغم الصدمة التجارية التي أطلقتها إدارة ترامب، فإن الاقتصاد العالمي لم يهتز، بل أظهر قدرة مرنة على التكيف والتجاوز. لكن هذه القوة الظاهرة قد لا تصمد طويلًا إذا استمر التصعيد، أو إذا انتقلت العدوى من السلع إلى أسواق المال والعمالة.

يقرأون الآن