دولي

جدل في إيران بعد تصريحات عراقجي عن إسرائيل

جدل في إيران بعد تصريحات عراقجي عن إسرائيل

تصاعدت حدّة التوتر داخل دوائر السلطة الإيرانية، عقب هجوم شديد اللهجة شنه حسين شريعتمداري، مدير صحيفة كيهان والمقرّب من المرشد الأعلى علي خامنئي، على وزير الخارجية عباس عراقجي، متهمًا إياه بـ"التراجع عن مبدأ محو إسرائيل" و"الانحراف عن نهج الإمام الخميني".

وفي افتتاحية نشرتها "كيهان" – التي تُعتبر الواجهة الإعلامية لمكتب المرشد – خاطب شريعتمداري عراقجي بالقول: "إذا قال القائد إن على إسرائيل أن تُمحى، فمن أنت لتقول العكس؟"، في إشارة مباشرة إلى تصريحات أدلى بها عراقجي في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأميركية، الاثنين، قال فيها: "لم تكن سياسة الجمهورية الإسلامية يومًا هي محو إسرائيل من على خريطة العالم".

واعتبرت الصحيفة أن هذا التصريح يناقض خط مؤسس الجمهورية روح الله الخميني والمرشد الحالي علي خامنئي، مشيرة إلى أنه كان على عراقجي أن يؤكد أن إيران، بناءً على توجيهات قيادتها، تسعى إلى إزالة إسرائيل بالكامل، لا من الخريطة فقط، بل من الوجود برمّته، حسب تعبيرها.

انقسام

هذا الهجوم العلني، بحسب مراقبين، يعكس التباين العميق داخل بنية النظام الإيراني، بين تيار دبلوماسي يسعى إلى الظهور بمظهر أكثر واقعية واعتدالًا أمام المجتمع الدولي، وبين تيار عقائدي لا يزال متمسكًا بشعارات الثورة القديمة، بقيادة مؤسسة المرشد.

ويرى محللون أن ما وصفوه بـ"الازدواجية الصارخة" بين ما يصرّح به المسؤولون الإيرانيون في المحافل الدولية، وبين ما تنشره وسائل الإعلام المرتبطة بالمرشد، يُضعف مصداقية النظام ويُكرّس حالة من "الانسجام الاستراتيجي" التي تشهدها السياسة الخارجية الإيرانية.

وفي ختام مقاله، أعاد شريعتمداري استخدام الخطاب المتشدد التقليدي، واصفًا إسرائيل بأنها "غدة سرطانية يجب اقتلاعها من العالم"، وهو التعبير الذي استخدمه الخميني وكرّره خامنئي لاحقًا، ما يؤكد استمرار التمسك بهذا الخطاب رغم تغيّر الظروف السياسية.

دفاع عن عراقجي

في المقابل، دافعت صحيفة خراسان، المقرّبة من رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، عن موقف عراقجي، واصفة تصريحاته بأنها "إعادة توضيح ذكية لسياسة قديمة"، وليست تراجعًا عن مواقف طهران المعلنة.

وأوضحت الصحيفة أن إيران لم تُعلن يومًا أنها ستقوم بمحو إسرائيل بنفسها، بل طالبت دائمًا بحلٍّ سلمي يستند إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، من خلال استفتاء يشمل كل سكان الأراضي الفلسطينية من مسلمين ومسيحيين ويهود، لتحديد شكل النظام السياسي المستقبلي.

واتهمت الصحيفة الإعلام الغربي بمحاولة تقديم صورة مشوّهة وعدائية عن السياسة الإيرانية، عبر تجزئة التصريحات وتوظيفها خارج سياقها. وأضافت: "نحن نقول إن إسرائيل يجب أن تُمحى، لكننا لا نقول إننا سنقوم بذلك بأنفسنا"، مشددة على أن هذه ليست دعوة إلى حرب، بل توصيف لنهاية نظام احتلال، وهي نتيجة طبيعية لنضال الشعوب.

"وصايا الخميني"

من جانبها، وجّهت وكالة "فارس"، التابعة للحرس الثوري، انتقادًا مباشرًا إلى عراقجي، معتبرةً تصريحاته ابتعادًا عن وصايا الإمام الخميني. وكتبت: "السيد عباس، ألم تقرأ وصايا الإمام في الجامعة؟ ألم تكن صحيفة الإمام دائمًا أمام عينيك؟".

وذكّرته بكلام واضح للخميني قال فيه: "إسرائيل يجب أن تُمحى من صفحة الزمن... لقد رأيتم كيف أن كيانًا هزيلًا من مليوني نسمة – أي إسرائيل – تحدّى مليار مسلم في لبنان، وارتكب جرائم قلّ نظيرها في التاريخ... نحن نقول: إسرائيل يجب أن تُمحى، والقدس للمسلمين، فهي قبلتهم الأولى".

"أسلوب خاطئ"

في سياق الانتقادات، انضمّت صحيفة "فرهيختغان" إلى "كيهان"، واعتبرت أن الخطأ ليس في المضمون بل في أسلوب عرض الموقف، إذ بدا عراقجي وكأنه في موقع دفاعي يسعى إلى تبرئة إيران أمام الاتهامات الأميركية، بدلًا من تحميل واشنطن وتل أبيب مسؤولية العدوان والتحريض في المنطقة.

وجاء في افتتاحيتها أن اللهجة التي استخدمها عراقجي لا تخدم الرأي العام الأميركي بقدر ما تستهدف الداخل الإيراني، في محاولة لإعادة صياغة الخطاب بأسلوب مغاير؛ ما قد يُفهَم على أنه تنازل عن المبادئ الأساسية للنظام.

في المقابل، تبنّت صحيفة "اعتماد"، المحسوبة على التيار الإصلاحي، دفاعًا قويًا عن وزير الخارجية، ونشرت صورة بارزة له على صفحتها الأولى تحت عنوان: "تراجع؟ أبدًا!"، مؤكدة أن ما قام به عراقجي ليس تراجعًا، بل تعزيز للخطاب الإيراني بأسلوب أكثر تأثيرًا في الغرب.

ورأت الصحيفة أن إيران بحاجة إلى مثل هذا النوع من التحوّل في الخطاب، لا في المبادئ، معتبرة أن عراقجي "أثبت قدرة الدبلوماسية الإيرانية على إيصال موقف طهران من موقع قوة، لا من موقع الضعف أو الدفاع".

في المحصلة، يُسلّط هذا السجال الضوء على الانقسام العلني داخل النظام الإيراني، بين من يتمسكون بخطاب العقيدة الثورية بكل مفرداته، وبين من يسعون إلى مواءمة الخطاب مع معايير السياسة الدولية، في وقتٍ تتزايد فيه الضغوط على طهران على أكثر من صعيد.

يقرأون الآن