رأى خبراء في الشأن العراقي أن تصريحات رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بشأن إحباط 29 محاولة لقصف قواعد أميركية وإسرائيلية، تمثل أول إقرار رسمي بحجم نشاط الفصائل المسلحة أو الميليشيات خلال الحرب الإيرانية – الإسرائيلية.
وكان السوداني صرّح لوكالة "أسوشيتد برس" بأن قوات الأمن العراقية نجحت بمنع 29 هجوماً صاروخياً وبالطائرات المسيّرة، ضد أهداف أميركية خلال شهر حزيران الماضي، غير أن البيان الرسمي الصادر عن مكتبه الإعلامي خلا من هذه الإشارة، ما أثار تساؤلات بشأن نوايا الحكومة في إدارة ملف الميليشيات.
وبدوره، قال الخبير الأمني عبدالغني الغضبان إن "تصريحات السوداني تكشف حجم التحديات التي تواجه الحكومة في ضبط أمن الدولة، باعتبار أن السوداني، في وقت من الأوقات، حاول تهدئة الوضع ودخل في مفاوضات مع الفصائل المسلحة لتجنيب العراق تبعات الضربات المتبادلة، لأنه يدرك أن أي صاروخ ينطلق من الداخل العراقي قد يُقابَل بردٍ مباشر على السيادة العراقية".
وأوضح ، أن "المشكلة تكمن في ازدواجية الخطاب، إذ تعلن هذه الفصائل، أحيانًا، انتماءها للحشد الشعبي، وتخضع لأوامر القائد العام، وتارة تضع نفسها خارجه، مما يضع الحكومة أمام مأزق قانوني وأمني"، مؤكداً أن السيطرة على الوضع الداخلي شهدت تحسناً، لكن الحدود ما زالت تتطلب جهداً إضافياً".
هجمات داخلية
تأتي تصريحات السوداني بعد أسابيع من تصاعد التوتر الإقليمي على خلفية الحرب بين إيران وإسرائيل، وما رافقها من مخاوف من توسع رقعة الاشتباك إلى دول أخرى في المنطقة، ومن بينها العراق.
وفي أعقاب انتهاء المواجهة العسكرية بين طهران وتل أبيب، سُجلت سلسلة هجمات بطائرات مسيّرة داخل الأراضي العراقية، استهدفت مواقع قرب مطار أربيل ومنشآت عسكرية في بغداد وذي قار.
وتزامن ذلك مع مسار سياسي داخلي محتدم بشأن مشروع قانون الحشد الشعبي، الذي واجه انتقادات داخلية وتحفظات أميركية دفعت البرلمان إلى رفعه، مؤقتًا، من جدول أعماله، وسط انقسام في المواقف داخل الإطار التنسيقي بشأن توقيت مناقشته.
وكان بيان مكتب رئيس الوزراء قد تضمن تأكيدًا على أن قرار السلم والحرب هو من صلاحيات الدولة فقط، وأن الحكومة تعمل على تنظيم العلاقة الأمنية مع التحالف الدولي، وإنهاء مهمته بحلول أيلول 2026، دون التطرق إلى الرقم (29 محاولة) الذي ورد في تصريح السوداني لوكالة الأنباء الأميركية.
ويُنظر إلى توقيت التصريح على أنه مرتبط بسياقات تفاوضية مع واشنطن، وضمن مساعي الحكومة لتثبيت صورة الاستقرار الداخلي، ومنع انزلاق العراق إلى صراعات إقليمية.
صراع داخل بنية الدولة
وقال الباحث في الشأن السياسي عماد محمد إن "تصريح السوداني بشأن إحباط الهجمات يكشف عن وجود صراع خفي داخل بنية الدولة نفسها بين مؤسسات رسمية تحاول فرض القانون، وأجنحة مسلّحة تتصرف باستقلالية ميدانية".
وأضاف لـ"إرم نيوز" أن "التحفّظ على ذكر هذه الجزئية في البيان الرسمي قد يكون محاولة لتجنب تصعيد سياسي داخل الإطار التنسيقي، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات، وتضارب مواقف القوى الشيعية من ملف الفصائل".
وأكد أن "الحكومة أمام معادلة معقّدة؛ فهي مطالبة بضبط الأمن، والحد من نفوذ الجماعات غير المنضبطة، لكنها في الوقت ذاته تعتمد على دعم كتل سياسية تمتلك أذرعاً مسلحة".
وشهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في التصريحات الغربية الداعية إلى ضبط أو تفكيك الفصائل المسلحة في العراق، خاصة بعد الحرب الإيرانية – الإسرائيلية.
وكرّرت الولايات المتحدة، دعواتها لحصر السلاح بيد الدولة العراقية، معتبرة أن أي نشاط خارج إطار المؤسسة العسكرية الرسمية يشكل تهديدًا لاستقرار البلاد وشركائها الإقليميين.
وبرغم النداءات المتكررة، لم تُسجل الحكومة العراقية أي خطوات تنفيذية حاسمة في ملف الميليشيات المسلحة الخارجة عن السيطرة، كما لم يتم الإعلان عن آليات واضحة لفرز الفصائل المنضبطة ضمن هيئة الحشد الشعبي عن الأخرى التي تنفّذ أجندات موازية.
ويشير مختصون إلى أن الحكومة الحالية، وعلى الرغم من تبنيها خطاب الدولة والاحتكام للدستور، ما زالت تتجنّب الدخول في مواجهة صريحة مع القوى السياسية التي تمتلك أذرعاً مسلّحة أو ترتبط بها ميدانياً".