اللقاء المرتقب بين الشرع وبوتين.. اختبار للثقة؟

لم تكن وسائل الإعلام قد انتهت بعد من متابعة تغطية المؤتمر الصحفي المشترك لوزيري الخارجية الروسي والسوري في أعقاب أول محادثات بينهما في موسكو، حين أعلنت وكالة سانا عن وصول وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة إلى موسكو لإجراء محادثات مع نظيره الروسي أندريه بيلاوسوف، ما جعل هذه الزيارات تبدو وكأنها "إنزال سوري دبلوماسي وعسكري"، مهمته ترسيخ أطر الحوار بين البلدين في المرحلة المقبلة لإعادة ترتيب العلاقات الثنائية بما يتناسب مع سوريا الجديدة، وتهيئة الميدان للقاء "من الوزن الثقيل" بين الرئيسن السوري أحمد الشرع والروسي فلاديمير بوتين، يضعان خلاله النقاط على الحروف بشأن الشكل الجديد للعلاقات بين البلدين وكيفية التعاطي مع ملفات عالقة.

لماذا الشيباني أولاً إلى موسكو، وما الذي يكسب زيارته أهمية خاصة؟

بعد طول انتظار، وبناء على دعوة وجهها له بداية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن ثم كررها وزير خارجيته سيرغي لافروف، وصل وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى العاصمة الروسية موسكو، في زيارة يمكن القول إنها مفصلية في مسار تطور العلاقات بين البلدين، وتكتسب أهمية خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان أن الشيباني لم يكن وحده الذي حط به الرحال ضيفاً على موسكو من دمشق، إذ وصل العاصمة الروسية كذلك وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، يرافقه مدير الاستخبارات العامة حسين سلامة، ما يعني أن المحادثات السورية – الروسية ستكون واسعة وتشمل المجالات السياسي والعسكري والأمني.

وكانت القيادة الروسية أبدت في مرحلة مبكرة بعد الإطاحة بالنظام البائد اهتماماً بفتح قنوات اتصال وإقامة علاقات مع الإدارة السورية الجديدة، ولهذا الغرض أوفدت في نهاية شهر يناير ممثل الرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وألكسندر لافرينتيف الممثل الخاص للرئيس السوري لسوريا، إلى دمشق. واستقبلهما أحمد الشرع الذي كان حينئذ "قائد الإدارة السورية الجديدة". وبعد أقل من أسبوعين على تلك الزيارة وتحديداً في 12 فبراير، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثة هاتفية مع أحمد الشرع وهنأه بمناسبة توليه مهام الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، وتمنى له التوفيق في مهامه. وخلال محادثته الهاتفية تلك مع الرئيس السوري، وجه بوتين حينئذ الدعوة لوزير الخارجية الشيباني لزيارة موسكو.

لكن لماذا بوتين وهو يتحدث مع الشرع لم يوجه الدعوة له بل لوزير خارجيته؟

أغلب الظن أن الرئيس الروسي وبينما كان يبحث مع الرئيس السوري الملفات الشائكة على درب استئناف العلاقات الثنائية، اقترح أن يقوم وزير الخارجية أسعد الشيباني بزيارة إلى موسكو يجري خلالها محادثات مع نظيره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لتحديد أطر وآليات بحث تلك الملفات بغية التوصل إلى حلول وسط تلبي مصالح سوريا، من دون أن يترك ذلك أثراً سلبياً على المصالح الروسية في سوريا وفي المنطقة بشكل عام؛ وبما يتوافق مع الرغبة السورية – الروسية المشتركة في الحفاظ على كل ما هو إيجابي من تاريخ طويل للعلاقات الثناية، ومعالجة التراكمات السلبية في تلك العلاقات؛ لطي صفحة الماضي والبدء من صفحة جديدة.

إلا أن الشيباني لم يلب تلك الدعوة. عاد لافروف وذكر بها، حين كشف في تصريحات في مطلع مايو أنه بناء على اقتراح من وزير الخارجية التركي اجتمع في شهر أبريل في أنطاليا مع وزير الخارجية السوري، وأضاف لافروف: "وهو (أي الشيباني) لديه الآن دعوة لزيارة موسكو".

انتظرت موسكو الشيباني مطلع يونيو، ومن ثم قالت مصادر إن الزيارة ستتم نهاية النصف الأول من يونيو. لكن شيئاً لم يحدث. وأخيراً في نهاية يوليو، وصل وزير الخارجية السوري، وكذلك وزير الدفاع إلى موسكو، التي استقبلت الضيوف الوافدين من دمشق بحفاوة لافتة.

هل تستضيف موسكو مفاوضات "أذربيجان" السورية – الإسرائيلية؟

جاءت زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى موسكو في وقت تداولت فيه وسائل إعلام معلومات حول جولة جديدة من المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية في أذربيجان، يفترض أن يشارك فيها الشيباني. وذهب خبراء إلى ربط هذه الأنباء مع المحادثة الهاتفية التي أجراها الرئيس الروسي قبل يومين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وركز خلالها على الوضع في سوريا. ورأى هؤلاء أن القيادة السورية قررت الانفتاح على موسكو في هذا التوقيت، للحصول على موقف روسي داعم خلال المفاوضات مع الإسرائيليين.

في الوقت ذاته ونظراً لضبابية المعلومات حول المفاوضات المزعومة في أذربيجان، بالتزامن مع معلومات أشارت إلى أن الوزير الشيباني لن يغادر موسكو على الفور وسيبقى هناك يوماً أو يومين، توقع بعضهم أن تلك المفاوضات لن تجري في أذربيجان وإنما في موسكو.

لكن لا يبدو أن موسكو مؤهلة في هذه المرحلة لاستضافة مثل هذه المفاوضات، وذلك لعدة أسباب، بينها التوتر في علاقاتها حالياً مع الولايات المتحدة، فضلاً عن عدم رغبة تل أبيب في منح روسيا مثل هذا الدور عقاباً لها على موقفها من الحرب في قطاع غزة، ومن الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.

لماذا الزيارة الآن رغم أن الدعوة منذ مطلع العام؟

بغض النظر عن تلك التوقعات، فإنه من الواضح أن زيارة الشيباني إلى موسكو جاءت في هذا التوقيت لجملة أسباب موضوعية، في مقدمتها أن الظروف قد نضجت على الجانب السوري للقيام بها. إذ نجحت الدبلوماسية السورية خلال الأشهر الماضية في إعادة ترتيب العلاقات مع معظم الدول الصديقة، وبات بوسعها الآن أن تتفرغ لإعادة ترتيب العلاقات مع روسيا، التي تتطلب جهداً خاصاً نظراً للتعقيدات التي تشوبها على خلفية وقوف روسيا إلى جانب النظام البائد طوال السنوات الماضية. وهذا لا يمنع في الوقت نفسه من بحث ما يمكن لروسيا أن تقدمه فيما يخص التحديات التي تواجهها، إن كانت تلك المتصلة بالاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي السورية، وأيضاً فيما يتعلق بالوضع في جنوبي وفي شمال شرقي سوريا، وكذلك الوضع في منطقة الساحل السوري.

زيارة تمهيدية للقاء الشرع-بوتين

تدل الاجتماعات التي عقدها وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك محادثات وزير الدفاع مرهف أبو قصرة ورئيس الاستخبارات العامة حسين سلامة برفقة الوزير الشيباني مع وزير الدفاع الروسي أندريه بيلاوسوف، أن الحديث يدور حول وضع أطر وآليات لجولات من المحادثات السورية ـ الروسية، يتم خلالها معالجة القضايا التي تشكل هاجساً لكل طرف، مثل مصير رأس النظام السوري ومصير القواعد الروسية في سوريا، وغيرها من قضايا، للعمل على معالجتها بما يخدم مصلحة الطرفين وحرصهما المعلن على الانتقال نحو مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية.

وأغلب الظن أن وزير الخارجية الشيباني ركز خلال محادثاته مع لافروف ومن ثم مع بوتين على الإطار السياسي العام للحوار الثنائي، بينما كان التركيز خلال محادثات وزير الدفاع أبو قصرة مع نظيره الروسي على الإطار العسكري للحوار، لما له من خصوصية، إن كان بالنسبة لمصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا، وكذلك بالنسبة لإمكانية استئناف التعاون التقني – العسكري بين موسكو ودمشق.

بالتالي فإن محادثات الوزيرين السوريين في موسكو تشكل من دون أدنى شك مرحلة مهمة جداً في مسار العلاقات بين موسكو ودمشق، لأنها دشنت الانتقال من مرحلة "إعلان النوايا" إلى مرحلة التطبيق العملي للخطوات التي ستسهم في تحقيق مساعيهما بشأن إعادة ترتيب العلاقات الثنائية. ويبدو أن موسكو ودمشق تعولان على المضي قدماً بهذا الاتجاه والعمل على تحقيق نتائج في وقت قريب تمهيداً لأول لقاء قد يجمع بين الرئيسين السوري أحمد الشرع والروسي فلاديمير بوتين، في شهر أكتوبر المقبل، خلال أول قمة عربية روسية، حيث أعلنت روسيا صراحة أنها تأمل أن يشارك الرئيس الشرع في هذه القمة.

يقرأون الآن