حدد خبراء في الشؤون الإيرانية والدولية، مجموعة من الأهداف التي تقف وراء التغيرات الهيكلية التي طرأت مؤخرا على مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني، والتي كان أبرز وجوهها أحد رموز النظام، علي لاريجاني.
وأوضحوا في تصريحات، أن في صدارة هذه الأهداف، رغبة النظام الإيراني في تلميع وجهه بتصدر "حمائم" المحافظين بقيادة لاريجاني للمشهد والتعامل بسياسة "التشدد اللين" أملا في التحكم في عنصر الوقت وتأجيل قرارات غربية تجاه إيران تخص ملفات استراتيجية على رأسها المشروع النووي والميليشيات التي تتدخل بها طهران في شؤون دول الشرق الأوسط.
وبينوا أن من بين أهداف هذه التغييرات، العمل على معالجة اختراقات الموساد الإسرائيلي لإيران التي توهجت في حرب الـ12 يوما ومازالت قائمة حتى الآن بشكل شبه يومي في مدن رئيسية منها تبريز وأصفهان.
كبير المفاوضين
وظل لاريجاني في منصب رئاسة مجلس الشورى الإيراني لأكثر من 12 عاما، وتولى لفترة موقع كبير المفاوضين الإيرانيين فيما يتعلق بالملف النووي مع الغرب، وسبق أن تولى منصب أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي في عام 2005، وهو حاليا عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام.
وكان لاريجاني قائدا مهما في الحرس الثوري خلال الحرب العراقية الإيرانية، وترشح في عام 2005 للانتخابات الرئاسية حيث صُنف على أنه أبرز المرشحين "المحافظين المعتدلين".
وكانت قد كشفت مصادر سياسية إيرانية مطلعة، مؤخرا، عن تغييرات هيكلية في مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني. ومن أبرز هذه التغييرات تعيين علي لاريجاني أمينا جديدا للمجلس، خلفا للواء علي أكبر أحمديان، الذي سيتولى بدوره إدارة عدد من الملفات الاستراتيجية ذات البعد الدفاعي والاقتصادي.
تغييرات هيكلية
ويرى الباحث في مركز "ستاندرد" للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، فرهاد عمر دزه يي، أن التغيرات الهيكلية في مواقع حساسة في إيران، تأتي بعد الهجمات الإسرائيلية وانهيار الدوائر الأمنية والمخابراتية الإيرانية والاختراق الكبير لها، لدرجة حضور المخابرات الإسرائيلية "الموساد" بكل أريحية في شارع "إمام العصر والزمان" وشارع "فدائيان إسلام"، حيث هاجموا العلماء النوويين واغتالوهم في وضح النهار.
ويؤكد دزه يي، أن "انهيار المنظومة الأمنية أثناء حرب الـ12 يوما جعلت النظام الإيراني يعيد النظر في هيكلته فضلا عن ما يدور من هجوم على مراكز وفروع أجهزة استخباراتية بشكل شبه يومي في تبريز وأصفهان خلال الأيام الأخيرة، لذلك تم الوقوف على هيكلة جديدة بقيادة لاريجاني للتعامل مع اختراقات "الموساد" لمواقع عدة في الداخل الإيراني".
وذكر دزه يي أن "ما وصلت إليه تلك الاختراقات الاسرائيلية جعلت الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد يقول إن طهران قامت بإنشاء مديرية لمكافحة "الموساد"، ليظهر في النهاية أن مديرها أحمد بورزادة، أحد أبرز عملاء الموساد".
وأفاد دزه يي بأن "هناك مشاكل عدة على مستوى صياغة العلاقات الدولية، فمن جهة يريد أن يقدم لها النظام بشكل استثنائي شخصيات ذات ثقل سياسي وتمتلك خبرات وفي نفس الوقت تستطيع إدارة الأمور دون التعامل بنوع من الاندفاع أو التشدد مثل المسار الحالي لاسيما بعد أن وصلت المفاوضات إلى أبواب مغلقة، لتظهر محاولات النظام الإيراني بإيجاد سبل غير تقليدية للتعامل مع الغرب".
تصدير "حمائم" المحافظين
بدوره، يقول المحلل السياسي المختص في الشؤون الإيرانية، طاهر أبو نضال، إن "السلطات الإيرانية تمر حاليا بظروف صعبة بالنسبة لمكانتها الدولية والإقليمية والضغوط الممارسة عليها من البلدان صاحبة القرار، لاسيما في ظل التوجه المتشدد الذي تعمل به طهران باستمرار تحكم المحافظين "الصقور" في عدة مواقع".
وبحسب أبو نضال في تصريح لـ"إرم نيوز"، فإن "طهران تحاول عبر إجراء التغييرات الهيكلية في مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني، تعديل النهج سواء في سياسات خارجية وأخرى داخلية ضمن وجود توجهات "هالكة" عليها في ظل استمرار تحكم وسيطرة قيادات بالحرس الثوري على وضع وتنفيذ استراتيجيات وسياسات بالخارج والداخل".
وأشار أبو نضال، إلى أنه "مع ضغوط التعامل الدولي مع طهران يحاول النظام الإيراني عبر هذه التغييرات استهداف أمرين، الأول تلميع وجهه بتصدير "حمائم" المحافظين بقيادة لاريجاني الذي يتم الرهان عليه في ذلك، أما الأمر الثاني، فهو التعامل بسياق "التشدد اللين" للتحكم في الوقت وتأجيل قرارات غربية تجاه إيران، تخص ملفات استراتيجية على رأسها المشروع النووي والميليشيات التي تتدخل بها إيران في شؤون دول الشرق الأوسط وفي الوقت نفسه، قيام طهران بأعمال خطرة منها التجسس في العديد من الدول الغربية".
شعبية النظام في خطر
ولفت أبو نضال إلى أن "ما جرى من تراجع إيراني فادح على المستويات كافة يهدد من جهة أخرى شعبية هذا النظام، مما جعله يقوم بتقديم تركيبة سياسية جديدة من الممكن أن تكون أكثر قبولا مما عليه، لاسيما هذا الموقع الاستراتيجي الذي كان يقوده المتشددون ليعمل على تغيير الواجهة العامة المتعلقة بالتعامل مع الملفات الاستراتيجية".
واستكمل بأن "هناك تراجعا استراتيجيا للمفاوضات مع الغرب والعلاقات الإقليمية والدولية وفقدان بعض الشخصيات التي لها قدرة على القيام بمقايضات حقيقية على كافة المستويات، سواء كان الملف النووي أم التفاهم مع الولايات المتحدة بطريقة تفكير وتعاطي تناسب وتتناسب مع ترامب الذي يتعامل في أطر الحل والمقابل".
ويخلص أبو نضال إلى أن "لاريجاني من ضمن السلك المؤهل من داخل النظام الإيراني لهذه المهمة المطلوب فيها أيضا التعامل في سياق تحسين عدة منحنيات في الدبلوماسية الإيرانية إقليميا ودوليا وأيضا فتح أبواب مغلقة في المفاوضات".