كشف مستشار حكومي عراقي أن الحكومة تسلّمت مؤخرًا تقريرًا أميركيًا شاملاً بشأن الميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران، يتضمن أسماء وتوصيفات تفصيلية لطبيعة نشاطها وأذرعها السياسية في العراق.
وأوضح المصدر، الذي طلب حجب اسمه لـ"إرم نيوز"، أن "بغداد تسلّمت تقريرًا بعد الاتصال الأخير بين وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني حيال الميليشيات الواجب إنهاء وجودها، حيث شملت القائمة كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وحركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وسرايا الخراساني، وكتائب الإمام علي، إلى جانب قيادات بارزة وأجنحة سياسية مرتبطة بها".
وأشار إلى أن "الوثيقة الأميركية اعتبرت هذه الكيانات جزءًا من منظومة نفوذ إيرانية ممتدة داخل مؤسسات الدولة العراقية، وتحتفظ بأسلحة نوعية وقدرات عسكرية متقدمة، بينها صواريخ بالستية وطائرات مسيّرة".
ولفت إلى أن "الملف جرى تداوله على مستويات سياسية وأمنية عليا في بغداد، تزامنًا مع تصاعد الجدل حول قانون الحشد الشعبي وخطط البرلمان لمنحه غطاءً تشريعيًا أوسع".
ضغط أميركي
وتمتلك أغلب هذه الميليشيات أجنحة سياسية فاعلة، تشارك من خلالها في العمل البرلماني والحكومي، ولها حصة ملموسة في التشكيلة الوزارية الحالية، فضلاً عن تحالفات انتخابية واسعة تستعد عبرها لخوض الاستحقاق النيابي المقبل، مستفيدة من نفوذها الأمني وشبكاتها التنظيمية في الشارع لتعزيز حضورها السياسي وترسيخ مواقعها داخل مؤسسات الدولة.
ويرى مختصون أن وصول تقارير واضحة للحكومة العراقية في هذا التوقيت يحمل رسائل ضغط واضحة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، ووجود مؤشرات على تدخل بعض هذه الميليشيات في العملية السياسية عبر أذرع حزبية وتحالفات انتخابية، وهو ما تعتبره واشنطن تقويضًا لأسس الشراكة الأمنية والسياسية بين البلدين.
بدوره، أكد الخبير الأمني كمال الطائي أن "الولايات المتحدة انتقلت منذ مجيء الإدارة الجديدة من مرحلة التحذير الدبلوماسي إلى وضع خيارات أكثر صرامة على الطاولة، تشمل العقوبات المباشرة واستهداف شبكات التمويل وحتى القيادات العسكرية والسياسية لتلك المجموعات".
وأضاف أن "التحدي الأكبر أمام الحكومة العراقية اليوم هو قدرتها على إقناع هذه الميليشيات بتسليم الأسلحة النوعية والتوقف عن التحرك خارج أوامر القيادة العامة، لأن استمرارها في الوضع الحالي سيجعل العراق عرضة لخيارات عسكرية، سواء من الولايات المتحدة أو من إسرائيل التي تراقب بدقة نشاط هذه القوى داخل الأراضي العراقية وفي مناطق متاخمة لحدودها".
زيارات لمسؤولين إيرانيين
وتزامنت هذه التطورات مع زيارات إيرانية رفيعة المستوى إلى بغداد، كان آخرها زيارة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، التي وُقعت خلالها اتفاقية أمنية مثيرة للجدل بين الجانبين.
ويرى مختصون أن هذه الخطوة تحمل بعدًا استراتيجيًا يهدف إلى تكريس النفوذ الإيراني، وربما تأمين مظلة سياسية وقانونية لعمل الميليشيات المسلحة.
ويحذر خبراء من أن إقرار قانون الحشد الشعبي بصيغته الحالية، إلى جانب الاتفاقيات الأمنية مع طهران، سيضع العراق أمام الانحياز الكامل إلى المحور الإيراني مع ما يحمله ذلك من مخاطر العزلة والعقوبات، أو الدخول في مواجهة سياسية وأمنية مع هذه الميليشيات بدعم دولي، وهو مسار محفوف بالمخاطر أيضًا.
ويرجح مراقبون أن الفترة المقبلة ستشهد تصاعد الضغوط الأميركية، خاصة إذا لم تبادر بغداد إلى خطوات عملية واضحة في ملف نزع السلاح، باعتبار أن الولايات المتحدة ترى أن أي محاولة لدمج عناصر الميليشيات في القوات النظامية من دون تفكيك هياكلها بالكامل، لن يكون سوى التفاف على جوهر المشكلة، وسيبقي على الولاءات الخارجية داخل المؤسسة الأمنية.
وتترقب الأوساط السياسية في العراق الخطوات التي ستتخذها الحكومة في ملف الميليشيات، خاصة في ظل ما جرى في لبنان من بدء إجراءات لنزع سلاح حزب الله، إلى جانب مؤشرات توتر العلاقة بين حكومة محمد شياع السوداني وهذه الفصائل، عقب حادثة "اشتباكات السيدية"، التي كشفت حجم التعقيدات الأمنية وحساسية المواجهة مع قوى مسلحة تمتلك نفوذًا سياسيًا وعسكريًا واسعًا.