تفاهم مار مخايل بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" يوم كان مؤسّسه ميشال عون رئيسه، الذي وُقّع في شباط 2006 انتهى تقريباً أو صار قريباً جداً من انتهائه.

وهذا أمرٌ شبه حتمي. أمّا بدء نهايته فكان بعد الاجتماع الليلي الطويل الذي استمر لغاية الساعة الثانية بعد منتصف الليل بين الأمين العام للأول السيد حسن نصرالله ووريث عون في رئاسة الثاني جبران باسيل قبل أسابيع عدة أو ربما أشهر قليلة. فالحديث الطويل الذي جرى بين الاثنين كان عميقاً وصريحاً ومعبّراً بصدق عن موقف كل من طرفي التفاهم من قضايا عدّة أبرزها استحقاق الانتخابات الرئاسية. هذا ما يقوله متابعون لبنانيون من قرب لحركة "حزب الله" داخلاً وخارجاً. لكنهم يضيفون أن نصرالله شدّد في نهاية الحديث على إبقائه طي الكتمان وعلى تشاور باسيل مع أعضاء كتلته النيابية وقيادات حزبية في مضمونه، والاتفاق على موقف منه إن كان ذلك ممكناً في حينه، علماً بأنه في أثناء الحديث والبحث فوجئ نصرالله بموقف باسيلي سلبي حاسم من فكرة ترشيح زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية للرئاسة هذه المرة، ومن دعوته الى التعامل مع هذا الموضوع بإيجابية، والى متابعة البحث لاحقاً في كل ما يتعلّق بالأدوار والمواقع في إدارات الدولة مع "الرئيس الجديد" فرنجية. لكن التفاجؤ الأكبر كان نقل باسيل الكثير مما تتضمنته المباحثات مع نصرالله للرأي العام بواسطة الإعلام ومع موقف بالغ السلبية من فرنجية، كما مع انتقادات مباشرة لـ"الحزب" الذي تحالف معه "تياره" منذ 2006، والذي فعل المستحيل منذ ذلك التاريخ لإيصال "المؤسّس والقائد" الجنرال ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، ولمساعدة "التيار" في الانتخابات النيابية كما في قضايا عدة كثيرة. وكانت لـ"الحزب" أيادٍ بيضاء في أكثر من مجال على باسيل و"التيار" الأمر الذي جعلهما يعيشان "أحلى أيامهما". لكن ذلك "دوّخهما" إذ بدلاً من أن ينصرفا الى متابعة البحث في تنفيذ المبادئ والقضايا التي تم الاتفاق عليها عام 2006 انصرف "التيار" الى التمتع بالسلطة وفوائدها المتنوّعة، ونسي أو تجاهل ما كان تعهّد به للرأي العام المؤيّد له وهو مسيحي بالإجمال كما للبنانيين كلهم، إذ صار جزءاً من المنظومة السياسية التي يحمّلها كثيرون من اللبنانيين مسؤولية انهيار الدولة بكل مؤسساتها والفساد الجامح. ولم يستفق باسيل على هذه الأمور كلّها إلا بعدما أدرك ضعف حظوظه الرئاسية وحرص حليفه "حزب الله" على بذل كل ما يستطيع لمكافأة حليفه الآخر فرنجية الذي ضحّى مرة أو ربما أثنتين من أجل "الجنرال" عون ومعه "الحزب"، فبدأ انتقاده العلني للسيد نصرالله وكرره مظهراً تمسّكه به. في هذا المجال يقول المتابعون اللبنانيون أنفسهم لحركة "حزب الله" داخلاً وخارجاً إن "الحزب" صار مقتنعاً بأن التفاهم الاستراتيجي كان ممكناً مع "الجنرال" ميشال عون وقد تحقّق. لكنه مستحيل مع صهره باسيل. وأصبح الكلام الذي يدور الآن وقبل الآن يتركّز على أمرٍ واحد هو: هل انتهى "تفاهم مار مخايل" بين فريقيه رغم انقضاء نيّف و17 سنة على توقيعه؟ والجواب يشير الى انتهائه عملياً وإن من دون إعلان أي من طرفيه ذلك. لكن باتت واضحة نهاية الاتفاقات الاستراتيجية على عدد كبير من القضايا. ما يجري الآن هو نوع من البحث الجدّي من جهة "حزب الله"، ولا أحد يعرف مدى جديّة "التيار" في هذا الموضوع في بدء مرحلة "تعاون على القطعة" بين الطرفين أي على كل موضوع داخلي يطرأ من دون أن يشعر الاثنان بأنهما مقيّدان بالتطابق في المواقف من كل القضايا. أما التفاهم الاستراتيجي بينهما فقد انتهى وربما الى غير رجعة.

ما الذي دفع باسيل الى الابتعاد التدريجي ولكن الثابت عن "حزب الله"؟ يعتقد الأخير استناداً الى المتابعين اللبنانيين أنفسهم أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على رئيس "التيار الوطني الحر" باسيل هي أحد أبرز أسباب سلبية موقفه من "الحزب والتفاهم" الموقّع منه، تُضاف إليها أسباب أخرى أبرزها انتهاء ولاية عمّه الرئيس عون وشعوره بأنه سيفقد سنداً في بعبدا ومعه سندٌ في الضاحية الجنوبية، ولا سيما بعد تعذّر انتخاب خلف له ودخول البلاد مرحلة فراغ وسط انهيار الدولة بكل مؤسساتها وانطلاق المواقف الطائفية والمذهبية بأقبح صورة وبدء تلويح "الشعوب" اللبنانية بمواقف لا تؤمّن مصلحة لبنان الدولة السيّدة والواحدة في وقت صعب إقليمياً، ووضع صعب دولياً يجعل القوى النافذة في العالم "غير فاضية" له. في هذا المجال يشير هؤلاء الى أن بحثاً بين "الحزب" وباسيل حول العقوبات جرى قبل فرضها وبعد فرضها وذلك لمعرفة إن كانت المعلومات المسرّبة عنها صحيحة أو تهويلية. لكن الثاني لم "يقبض" جدّياً في حينه كل التهديدات ولم يكن واثقاً من أن العقوبات ستُفرض عليه. لكنها فُرضت وشعر في داخله بأنه "أكلها". وربما فكّر في قرارة نفسه أنه دفع شخصياً ثمن مواقف حليفه "حزب الله". لكن لم يكن في وسعه القيام بأي شيء يميّزه عنه أو يبعده عنه لإقناع واشنطن بأنها أخطأت وبضرورة عدم فرض العقوبات أو رفعها بعد فرضها. ذلك أن الانتخابات النيابية كانت قد بدأت تقترب وما كان في إمكان باسيل الاختلاف مع حليفه "حزب الله". لماذا؟

صحيفة النهار

يقرأون الآن