لم يكد لبنان يتنفس الصعداء بعد عملية التبريد السياسي التي بدأت مع زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى قصر بعبدا، واستكملت أمس بزيارة رئيس الحكومة نواف سلام الى عين التينة، حتى تلبّدت الأجواء الإقليمية مع الاستهداف الاسرائيلي لقيادة حماس في الدوحة الذي سيؤدي الى تداعيات على لبنان ذات البنية الهشة سياسيا وأمنيا.
إذا، بعد أقل من أسبوعين على كشف تل أبيب انها اتخذت قرارا بتصفية قادة حماس في الخارج، نفذت الخطة على أرض الدوحة في تحول نوعي في الاستراتيجية الإسرائيلية خصوصا ان قطر تلعب دورا وسيطا محوريا بين إسرائيل والحركة في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
إستهداف إسرائيل للدوحة لا يمكن قراءته من الزاوية الأمنية فقط انما له دلالات خطيرة على المشهد الإقليمي والتحالفات الدولية، وهذا ما عبرت عنه وزارة الخارجية القطرية بعد الهجوم حين قالت انه "اعتداء على سيادتها الوطنية وكرامتها، وهو ما لا يمكن أن تقبله".
وفي هذا الاطار، يؤكد مصدر لموقع "وردنا" ان العملية الإسرائيلية على الدوحة تشكل تصعيدا غير مسبوق، وتعد انتهاكا صارخا لسيادة الدولة كما تعني ان قواعد الاشتباك قد تغيرت أو أكثر من ذلك انها رسالة واضحة لقادة حماس بأنهم في مرمى الاستهداف أينما تواجدوا، وهذا ما يعلنه صراحة بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين الاسرائليين.
وهنا لا بد من أسئلة بديهية وسط هذا التدهور : هل يمكن القول ان الوساطة القطرية أُجهضت ما يعني ان الحرب ستكون أكثر شراسة على غزة والى أمد غير منظور؟ وهل ستتدهور العلاقة بين إسرائيل وقطر مع العلم ان الأخيرة حليفة قوية ودولة صديقة لواشنطن، ويعملان معا في إطار الوساطة حتى ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعرب عن رفضه لاستهداف العاصمة القطرية كما ان البيت الأبيض أصدر بيانا أمس اعتبر فيه ان تنفيذ ضربة في الدوحة "لا يخدم أهداف لا إسرائيل ولا أميركا"؟.
المسؤول الاعلامي في حركة "حماس" وليد كيلاني قال لموقع "وردنا" ان "القطريين هم المعنيون بالوساطة، ونترك لهم الجواب ان كانوا سيستمرون فيها. لكن، اليوم نحن أمام اعتداء واضح على الدولة الوسيطة، فكيف للوسيط أن يقوم بدوره بشكل مريح ويتم الاعتداء عليه؟. لقد تم الغدر بالوسيط".
وشدد كيلاني على ان "سقف المقاومة هو تطلعات الشعب الفلسطيني الذي يريد وقف اطلاق النار بشكل دائم وادخال المساعدات واعادة الاعمار واطلاق سراح الاسرى. سابقا، اغتالوا الكثير من القادة لكن رغم ذلك استمرت المقاومة في التفاوض. والآن أي طرح يتم تقديمه للمقاومة ستدرسه، وهي لم تتخلف عن أي جولة من جولات التفاوض. المقاومة وافقت على المقترح الاميركي الذي قُدم لها في 18 آب/ أغسطس، ولم يرد الجانب الاسرائيلي عليه حتى اللحظة انما جاء الرد في محاولة اغتيال الوفد المفاوض".
واعتبر ان "أقصر الطرق يكمن في الزام الجانب الاسرائيلي بما تم الاتفاق عليه سابقا. بنيامين نتنياهو لا يريد التوصل الى اتفاق، بل يريد مصلحته الشخصية. يريد أن يحقق اسرائيل الكبرى التي تشمل سوريا ولبنان والاراضي الفلسطينية وجزءا من مصر ومن السعودية والاردن والكويت. وها هو اليوم يقصف العاصمة العربية السابعة منذ عملية طوفان الاقصى. علينا الانتقال من بيانات الشجب والادانة الى محاسبة هذا العدو الذي يعتبر نفسه فوق القانون وفوق المحاسبة".
هذه التطورات تفتح الباب على مصراعيه أمام سيناريوهات متعددة وربما تصعيد الصراع ليمتد الى عواصم عربية كانت خارج دائرة المواجهة. ولبنان الذي لطالما كان "الخاصرة الرخوة" للصراعات الاقليمية، يتخوف اليوم من أن يعود ساحة مواجهة مفتوحة خصوصا انه يتواجد على أرضه العديد من المخيمات التي يسكنها قادة من مختلف الفصائل الفلسطينية. وبالتالي، هاجس اغتيال قادة حركة حماس في لبنان يعود الى الواجهة، وما يرافق ذلك من هزات أمنية أو ربما انزلاق ما في حال استخدمت الفصائل الفلسطينية الجنوب لاطلاق صواريخ باتجاه الداخل الاسرائيلي كما حصل مرات عدة في السابق. مع العلم ان لبنان يمرّ في مرحلة تعتبر الأكثر دقة في تاريخه الحديث اذ تخوض الحكومة معركة سياسية في الداخل للسير في خطة حصر السلاح. فهل بات لبنان على خط النار؟. وهل العقبات المستجدة ستنسف خطة الحكومة على اعتبار ان السلاح الفلسطيني خصوصا لدى "حماس" هو حاجة في هذه المرحلة الخطيرة؟.
يجيب كيلاني انه " في السابق، كان هناك قرار في الاسناد بمشاركة الفصائل الفلسطينية وبالتشاور مع المقاومة اللبنانية في حزب الله، لكن حين تم توقيع اتفاقية وقف اطلاق النار، التزمت المقاومة الفلسطينية في ذلك. نحن ملتزمون بما يحقق أمن واستقرار لبنان. معركتنا في الداخل الفلسطيني، رغم المشاركة المحدودة في المكان والزمان".
وكشف عن لقاء عقد أمس، طرح موضوع السلاح والحقوق الفلسطينية والعديد من القضايا التي تهم اللاجىء الفلسطيني في لبنان، وكانت الاجواء ايجابية. لكن، موضوع السلاح يحتاج الى قرار جامع وكلي ولا نأخذه بالقطعة. ربما الاسبوع المقبل سيُعقد لقاء موسعا بين كل الفصائل للتحاور، والخروج برؤية موحدة لأن السلاح الفلسطيني مرتبط بالقضية الفلسطينية وبحق العودة. السلاح له رمزيته".
ولفت كيلاني الى ان "اسرائيل تحاول كسر ارادة المقاومة بالاغتيالات. لكنها جربت سابقا منذ اغتيال الشيخ أحمد ياسين في 2004 الى الآن، والمقاومة لم تتراجع انما كل يوم يمر تزداد قوة وصلابة. لذلك، حتى لو نجحت العملية أمس في قطر، فإن ذلك، لن يثني المقاومة عن مواصلة الطريق للوصول الى تحرير فلسطين. انه جهاد نصر أو استشهاد. هذا فعل وليس شعارا.
ورفض الدخول في تفاصيل "ما حصل أمس في قطر مع الوفد المفاوض بسبب الوضع الأمني، لكن تمكنّا من الاطمئنان على سلامة الوفد. كل ما يُحكى في الاعلام يدخل في اطار التحليل ولا يستند الى معلومات دقيقة".