فجر محامون ومختصون في الجزائر الجدل مجددا في الآونة اأخيرة حول مادة قانونية تنص على مساعدة المواطنين لمصالح الأمن في القبض على المجرمين، حيث أيد كثيرون تطبيق نص المادة فيما عارضه آخرون لدواع تنظيمية.
وتسمح المادة 94 من قانون الإجراءات الجزائية "لأي شخص ضبط الفاعل في حالة الجناية أو الجنحة المتلبس بها والمعاقب عليها بالحبس واقتياده إلى أقرب ضابط للشرطة القضائية".
ولعل ما فتح الجدل حول تلك المادة، هو بعض الجرائم التي وثقتها كاميرات مراقبة أو كاميرات هواة لأشخاص ارتكبوا خلال الفترة الماضية سرقات أو اعتداءات ولاذوا بالفرار حتى تمكنت مصالح الأمن من القبض عليهم، مثل حادثة سرقة كهل في الطريق العام باستعمال السلاح الأبيض، في بلدية عين الفكرون بولاية أم البواقي، والاعتداء على امرأتين في سيارتهما ببلدية عين البنيان بولاية الجزائر العاصمة، وغيرها من الحوادث التي كان فيها مواطنون شهودا لكنهم لم يتدخلوا لإيقاف الفاعل، ربما خوفا من المجرم أو من التورط في القضية.
في حين أكدت المحامية والمستشارة القانونية في الاتحاد الجزائري للملكية الفكرية فتيحة رويبي، أن "المادة 94 ليست استحداثاً تشريعياً جديداً بل هي موجودة منذ صدور الأمر 66-155 المؤرخ في 8 يونيو 1966".
كما أضافت المتحدثة في تصريح أن "بقاء هذه المادة في صلب النصوص المتعلقة بالتلبس يبرز إصرار المشرع على إشراك المواطن في حماية النظام العام منذ عقود طويلة".
وأوضحت قائلة إن "النقاش فتح حول هذه المادة مع تزايد ظاهرة الإجرام في الشارع الجزائري وانتشار حوادث الاعتداء التي صدمت الرأي العام، على غرار حادثة المرأة المنقبة في سطيف".
إلى ذلك، رأت القانونية أن "وجود هذه المادة ضروري لأنه يكرس فكرة أن المواطن ليس متفرجاً سلبياً أمام الجريمة، بل له دور في المساهمة في ضبط الجناة في الحالات الاستعجالية ومنع فرارهم".
أما عن الجدل حول حلول المواطن محل مصالح الأمن أو محل القضاء، فردت رويبي، موضحة أن "دور المواطن يقتصر على الإمساك بالمشتبه فيه في حالة التلبس واقتياده مباشرة إلى أقرب مقر للشرطة". وشددت على أن " أي استعمال مفرط للقوة أو احتجاز طويل قد يحوّل الضحية إلى متهم بجنحة أو جناية، خاصة أن النص لا يشرّع الانتقام أو تصفية الحسابات الشخصية".
وأشارت إلى أن المادة 94، "يمكن أن تكون أداة ردع فعالة وتقلل من معدلات الإجرام إذا طُبقت كما أرادها المشرع، حيث يضبط المواطن المجرم ويسلمه للشرطة التي تحقق، فيما القضاء يحكم". وتابعت قائلة "بهذا نحافظ على التوازن بين حماية المجتمع واحترام حقوق الأفراد، كما يمكن للمادة 94 أن تتحول بهذه الطريقة إلى أداة فعالة لمساندة جهود الأمن ومكافحة الإجرام المتنامي في الشارع، دون أن تجعل من الضحايا قضاة أو من المواطنين منفذين للعدالة".
من جهته، رأى المختص الاجتماعي عبد الحفيظ صندوقي أن "المادة نظرياً لها عدة جوانب إيجابية، في حين قد يحمل تطبيقها في عدة مخاطر".
ورأى المتحدث في تصريح أنه "لا يرى إمكانية تطبيق هذه المادة القانونية بسلاسة في المجتمع الجزائري في الوقت الحالي، لأنه يجهل حدود هذا القانون أصلاً، ويجب نشر هذه الثقافة على مدى سنوات، لتفادي أية انزلاقات مجتمعية غير محمودة العواقب".
وأضاف قائلا إن تدخل الشخص لحماية الضحايا من الاعتداءات موجود أصلا في ثقافة البلاد، لكن الإلمام بما يجيزه وما يمنعه القانون في هذا الشأن، يلزمه تحضير مجتمعي وثقافي وقانوني جيد، إضافة إلى حماية للمبلغين من أي انتقام محتمل من طرف المجرمين أو عائلاتهم".