لبنان

عون في الأمم المتحدة: خطاب الحقوق الثابتة والاستعداد للسلام

عون في الأمم المتحدة: خطاب الحقوق الثابتة والاستعداد للسلام

يغادر رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون اليوم السبت، إلى نيويورك، مترئسًا وفد لبنان إلى أعمال الدورة الثمانين للجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث يلقي أوّل خطاب له من على منبر المنظمة الدولية كرئيس للجمهورية، حاملًا هموم وطن مثقل بالأزمات وجراحه العميقة. لكنه ثابت على التمسّك بحقوقه، وسط مشهد إقليمي ودولي متشابك، في لحظة مفصلية، تحاول الأمم المتحدة من خلالها تجديد الالتزام بالتعدّدية والتضامن والعمل المشترك من أجل الإنسان والكوكب تحت شعار الدورة: "بالعمل معًا نحقق نتائج أفضل: ثمانون عامًا وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان".

في هذا السياق، يأتي صوت لبنان ليؤكّد أن أيّ حديث عن السلام والاستقرار والأمن الإقليمي والدولي، لا يمكن أن يكتمل ما لم تُنفّذ القرارات الدولية ذات الصلة، وفي طليعتها اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي ما زالت إسرائيل ترفض الانصياع إليها، ما يعيق مسار بسط سلطة الدولة اللبنانية الكاملة على أراضيها عبر قواها الذاتية. إذ يُرتقب أن يتجاوز خطاب عون حدود التوصيف إلى طرح أسئلة جوهرية عن مستقبل المنطقة، وفي مقدّمها ما سبق وطرحه في قمّة الدوحة الاستثنائية لجهة: هل تريد حكومة إسرائيل سلامًا عادلًا ودائمًا؟ فإن كان الجواب نعم، فإن لبنان سيعلن جهوزيته للمضيّ قدمًا وفق مبادرة السلام العربية التي طرحتها المملكة العربية السعودية في قمة بيروت عام 2002، وتبنّتها الجامعة العربية بالإجماع، وحظيت بدعم دولي واسع تُرجم مؤخرًا في «إعلان نيويورك»، الذي صدر عن الجمعية العامة بأغلبية ساحقة نتيجة جهد سعودي وفرنسي، محدّدًا خطوات ملموسة لا رجعة فيها نحو حلّ الدولتين وفق ما ورد في "نداء الوطن".

هذا الطرح، يعكس تمسّك لبنان برؤية سلام شامل وعادل ودائم، ويضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية الدفع بهذا المسار قدمًا. إذ لا استقرار حقيقي من دون الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وبسيادة لبنان على أرضه. لكن عون يطرح أيضًا احتمالات أخرى، فإذا كان الجواب الإسرائيلي نصف إجابة أو مجرّد مراوغة، أو إذا لم يأتِ الجواب أصلًا، فإن لبنان لن يُخدع مجدّدًا بوهم التسويات، بل سيبني على الواقع ويحصّن نفسه بحقائقه، مكرّسًا مقاربة واقعية تكسر سلسلة الخيبات التي عاشتها شعوب المنطقة، نتيجة الوعود المجهضة والمبادرات المشوّهة، وتفتح بابًا لنهج أكثر صراحة في التعاطي مع الحقائق.

وإلى جانب كلمته، سيقود الرئيس عون نشاطًا دبلوماسيًّا واسعًا من خلال سلسلة لقاءات مع رؤساء الوفود العربية والدولية، يطرح خلالها القضية اللبنانية من زواياها المتعدّدة، وتحديدًا دعم الاقتصاد الوطني وإنقاذ مؤسّساته، والمساعدة في مواجهة تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، لجهة إعادة الإعمار، وتثبيت حقّ لبنان في استعادة أراضيه المحتلّة وحماية حدوده. ومن المتوقّع أن يستفيد عون من أجواء الدورة الثمانين التي تشدّد على الالتزام بالسلام والتنمية وحقوق الإنسان، ليضع لبنان في قلب النقاشات الدولية لا على هامشها.

وتتلاقى مشاركة لبنان مع التحدّيات الكبرى التي تتصدّر أعمال الجمعية العمومية هذا العام، من ضرورة الوفاء بأهداف التنمية المستدامة إلى بعث التعاون الدولي في مواجهة التغيّر المناخي والأزمات الاقتصادية والصحّية. وهنا يحمل لبنان رسالة مضاعفة كونه بلدًا صغيرًا ينوء بأزماته، لكنه في الوقت نفسه يحمل قضية كبرى تتعلق بالعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها. فإذا كان شعار الدورة "العمل معًا لتحقيق نتائج أفضل"، فإن لبنان يريد لهذه النتائج، أن تتحوّل إلى حقائق ملموسة على أرضه لا إلى مقرّرات شكليّة.

سيكون خطاب جوزاف عون في الأمم المتحدة بما يتسم به من وضوح وحزم، بمثابة اختبار جديد لإرادة المجتمع الدولي في التعامل مع لبنان كدولة ذات سيادة، لا كساحة لصراعات الآخرين. وبين السؤال الذي سيطرحه عن جدّية إسرائيل في السلام، والجواب الذي ستكشفه الأيام المقبلة، تتضح ملامح المرحلة؛ إما فتح نافذة نحو تسوية عادلة تاريخية، وإما تكريس واقع الأمر القائم حيث تبقى الشعوب أسيرة موازين القوّة وغياب العدالة. وفي كلّ الأحوال، يسجّل لبنان حضوره على المنابر الكبرى، متمسّكًا بحقوقه ومؤكّدًا أن صوته لن يغيب مهما كانت الظروف بحسب "نداء الوطن".

يقرأون الآن