صحيح ان الأنظار الدولية والعربية تتجه اليوم الى نيويورك حيث تعقد اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في دورتها الـ80 تحت شعار "بالعمل معا نحقق نتائج أفضل: 80 عاما وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان"، إلا ان الأجواء الملبدة بالغموض في لبنان ان كان لناحية التطورات الميدانية، والتصعيد الاسرائيلي، وان كان لناحية التعقيدات التي تواجه الجيش اللبناني في تنفيذ قرارات مجلس الوزراء بحصرية السلاح في يد الدولة، تجعل لبنان في صلب إهتمام الدول الصديقة التي تحاول مساندته في رحلة التعافي وبناء الدولة، والزيارات الديبلوماسية التي تتوالى الى بيروت خير دليل.
إذا، الزيارات متعددة، والشخصيات متنوعة ومن بلدان مختلفة، قريبة وبعيدة، الا ان المطلوب واحد: تنفيذ خطة حصرية السلاح بيد الدولة، ومن بعدها يأتي الدعم لتحقيق سيادة البلد وازدهاره وعودة المستثمرين العرب والسعوديين الى لبنان. وبالتالي، على لبنان القيام بخطوة لكي يقوم المجتمع العربي خصوصا الخليجي والمجتمع الدولي بخطوة مقابلة. ووفق المعلومات، هذا ما أكد عليه الأمير يزيد بن فرحان خلال لقاءاته مع السياسيين والمسؤولين في بيروت. وفي معلومات خاصة لـ"وردنا" من مصدر متابع ان الموفد السعودي شدد أيضا على ضرورة الاصلاح المالي والاقتصادي، وانه على لبنان القيام بسلسلة إجراءات واصلاحات بالاضافة طبعا الى تنفيذ حصرية السلاح. وعلى الرغم من ان السعودية ستعمل على توفير الدعم اللازم للجيش اللبناني من خلال المؤتمر المزمع عقده في الرياض بدعوة من السعودية وفرنسا ومشاركة خليجية الا انه من المبكر الحديث عن مساعدة في الامور الاخرى مثل اعادة الاعمار.
وسط هذه الأجواء، دعا الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم المملكة العربية السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع "المقاومة"، داعياً إلى حوار مباشر لمعالجة ما وصفه بـ"الإشكالات القائمة" وتبديد المخاوف فيما أكد بن فرحان للنواب الذين التقاهم أن بلاده لا تدخل في الزواريب اللبنانية والدعم والعلاقات تحصل من دولة إلى دولة وليس مع فئات.
وبعيدا عن الانتقادات من مختلف الأوساط السياسية والإعلامية، لا بد من التساؤل: لماذا جاءت هذه الدعوة لتطبيع العلاقة مع دولة كانت تُصنَّف من قبل الحزب كخصم سياسي، في توقيت إقليمي وداخلي حساس؟ وماذا يعني فتح صفحة جديدة مع "المقاومة" خصوصا ان المملكة العربية السعودية اعتُبرت لسنوات أحد أبرز معارضي سياسة الحزب في لبنان والمنطقة؟ وهل هذه الدعوة رسالة غير مباشرة تحمل في طياتها ليونة في موضوع تسليم السلاح؟.
محاولة لاصلاح ذات البين مع المملكة
الوزير السابق ريتشارد قيومجيان اعتبر في حديث لموقع "وردنا" ان "هذه العودة ربما تأتي بعد الاتصالات السعودية- الايرانية في الآونة الأخيرة. وربما رأى الحزب ان اللحظة مؤاتية ليفتح صفحة جديدة مع السعودية التي يعرف جيدا مدى ثقلها في المنطقة"، مشيرا الى ان "هذه الخطوة أتت مؤخرة جدا، ويحاول الحزب اصلاح ذات البين مع المملكة".
وأوضح قيومجيان انه "حين يتحدث قاسم عن المقاومة يعني حزب الله المسلح الذي يريد فتح صفحة جديدة، وهذا غير ممكن لأن من يريد أن يفتح صفحة جديدة يجب أولا التخلي عن السلاح. ثم العلاقات بين الدول تكون بين دولة ودولة وليس مع فئة أو حزب. أي خطوة تجاه السعودية يجب أن تستبقها خطوة تجاه اللبنانيين. وأي خطوة يجب أن تأتي في اطار الدستور اللبناني. السعودية تدعم حصرية السلاح وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وسيادة لبنان. هل يسير الحزب بهذه المفاهيم؟".
واعتبر انه "علينا انتظار الخطوات العملية من قبل الحزب لنرى ان كان جادا في دعوته، وصادقا في ملف تسليم السلاح. عليه الالتزام بقرارات الحكومة اللبنانية ليفتح صفحة جديدة أما أن يفتح علاقات موازية مع الدولة اللبنانية، فهذا لا يجوز ان كان بالنسبة للبنان أو للسعودية. الحزب يتعاطى مع الامور خارج الواقع الحالي حيث ينطلق قطار الدولة في مساره".
الخروج من العزلة والتخلي عن العداوة
أما الصحافي والمحلل السياسي علي الأمين، فاعتبر ان "الحزب يجد نفسه وحيدا بلا حليف أو صديق، ويحاول الخروج من هذه العزلة. يدرك حزب الله أن السعودية لن تتلقى هذه الدعوة بالترحيب لكنه يحاول ايصال رسالة الى جمهوره بضرورة التخلي عن العداوة لهذه الدولة أو تلك خصوصا ان السعودية لا تتحاور مع منظمات عسكرية على لائحة الارهاب. الحزب اليوم محاط بالخصوم ويريد الخروج من هذا المأزق الذي وضع نفسه فيه. وبالتالي، فتح قنوات اتصال والتخفيف من عزلته".
وأكد الأمين ان "ليس أمام الحزب أي خيار سوى تسليم السلاح. ربما الانفتاح على السعودية رسالة غير مباشرة في تليين موقفه في قضية تسليم السلاح على الرغم من انه تحدث عن المقاومة"، لافتا الى ان "السعودية تسير في مسار عودة الدولة وحصرية السلاح منذ سنوات. وهذا المسار في المنطقة اليوم أصبح دوليا. وبالتالي، السعودية لن تتبنى فكرة مخالفة لحصرية السلاح بيد الدولة. هذه مسألة استراتيجية بالنسبة للسعودية".
واختتم بالقول:" ربما هذا الانفتاح، يهدف الى ايصال رسالة إيرانية إيجابية تقول انها تريد الانتقال الى مرحلة جديدة، لكن الامور رهن التطورات في الايام المقبلة".