إقتصاد آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

بعد سنوات من النزاع.. بغداد وأربيل تطويان صفحة الخلافات النفطية

بعد سنوات من النزاع.. بغداد وأربيل تطويان صفحة الخلافات النفطية

بعد أكثر من 18 عاماً من النزاعات حول ملف النفط بين بغداد وأربيل، أعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ورئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، عن التوصل إلى اتفاق تاريخي يقضي بتسليم وزارة النفط الاتحادية كامل صادرات الإقليم وتصديرها عبر شركة تسويق النفط الوطنية (سومو).

هذا الإعلان، الذي وصفه السوداني بأنه إنجاز طال انتظاره، واعتبره بارزاني خطوة تاريخية تعيد الإقليم إلى الأسواق العالمية، أثار ردود فعل واسعة، حيث اعتبره مختصون تحوّلاً جوهرياً في مسار إدارة الثروة الوطنية وإعادة صياغة العلاقة بين المركز والإقليم.

المختص في الشأن النفطي والاقتصادي أحمد عسكر قال في حديثه لـ"بغداد اليوم" إن "الإعلان عن التوصل إلى اتفاق تاريخي بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان بشأن تسليم صادرات نفط الإقليم إلى وزارة النفط الاتحادية، خطوة تمثل تحول جوهري في ملف إدارة الثروة الوطنية". وفق قراءات اقتصادية، فإن الاتفاق لا يقتصر على تنظيم آلية التصدير، بل يضع أساساً لشراكة طويلة المدى بين بغداد وأربيل تستند إلى الدستور والقوانين النافذة.

رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وصف الاتفاق عبر تغريدة في منصة "إكس" بأنه إنجاز انتظره العراق 18 عاماً، مؤكداً أنه يتضمن "التوزيع العادل للثروة، وتنوع منافذ التصدير، وتشجيع الاستثمار"، ومشدداً على أنه يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من وحدة القرار النفطي وتعزيز الإيرادات الاتحادية.

أما رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني فقد أكد من جانبه أن الاتفاق "خطوة تاريخية" تزيل أحد أبرز العوائق أمام تأمين المستحقات المالية لشعب كردستان، مشيراً إلى أنه يعيد الإقليم إلى الأسواق العالمية ويؤكد ضرورة الالتزام بالحقوق الدستورية. هذه التصريحات عكست توافقاً نادراً في الخطاب بين بغداد وأربيل حول ملف ظلّ على مدى سنوات رمزاً للخلافات المزمنة.

وبيّن عسكر أن "هذا الاتفاق يفتح الباب أمام معالجة واحدة من أعقد القضايا التي ظلت عالقة لسنوات طويلة بين المركز والإقليم، ويؤسس لمرحلة جديدة من التعاون المبني على الدستور والقوانين النافذة، بما يضمن عدالة توزيع الإيرادات وحماية حقوق جميع العراقيين". تاريخياً، شكّل النفط الكردي محور نزاع منذ 2005، مع تمسك الإقليم بحق التصدير المستقل عبر تركيا، ورفض بغداد لهذا المسار باعتباره تجاوزاً على صلاحيات المركز. قرار التحكيم الدولي عام 2023 بوقف التصدير عبر أنقرة شكّل نقطة ضغط كبرى دفعت نحو تسريع المفاوضات التي انتهت إلى الاتفاق الحالي.

وأضاف عسكر أن "توحيد السياسة النفطية سيسهم في تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي، وزيادة القدرة التفاوضية للعراق في الأسواق العالمية، فضلاً عن تعزيز الثقة بين بغداد وأربيل، وهو ما سينعكس إيجاباً على بيئة الاستثمار والاقتصاد الوطني بشكل عام". وتشير تقديرات بحثية إلى أن غياب الموقف الموحد كبّد العراق خسائر كبيرة في قدرته التفاوضية مع الشركاء الدوليين، فيما يفتح الاتفاق الحالي الباب أمام عراق أكثر قدرة على استقطاب الاستثمارات وضمان استقرار مالي أطول مدى.

لكن عسكر شدد في الوقت نفسه على أن "التنفيذ الجاد والشفاف لهذا الاتفاق سيكون المعيار الحقيقي لنجاحه، ويتطلب إرادة سياسية راسخة ورقابة مهنية دقيقة لضمان أن تكون موارد النفط أداة لبناء الدولة لا موضع خلاف جديد". وتُظهر التجارب المقارنة أن أي اتفاق نفطي من هذا النوع يظل مهدداً بالفشل إذا لم يُنفذ بحرفية عالية ويُحصّن ضد التوظيف السياسي.

يتضح أن الاتفاق النفطي الأخير بين بغداد وأربيل لم يعد مجرد تسوية تقنية، بل تحول سياسي ومؤسسي يعيد تنظيم العلاقة على أسس دستورية، ويؤسس لشراكة نفطية وطنية طال انتظارها. تصريحات السوداني وبارزاني أكدت أن الإرادة السياسية باتت حاضرة، غير أن التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ الشفاف وضمان التوزيع العادل للثروات. وإذا نجحت التجربة، فقد يشكّل الاتفاق بداية مرحلة جديدة من الاستقرار الاقتصادي والسياسي في العراق، أما إذا تعثرت، فسيعود الملف إلى دائرة الخلافات التي أرهقت البلاد منذ 2005.

يقرأون الآن