ماذا بعد انقلاب حزب الله؟

ما تزال تردّدات انقلاب حزب الله على قرار الحكومة بعدم إنارة صخرة الروشة ورفع صور الأمينين العامّين، حسن نصرالله وهاشم صفي الدّين، عليها تتفاعل على أكثر من صعيد لدرجةٍ دفعت رئيس الحكومة، نواف سلام، إلى الامتعاض وتسجيل نصف اعتكاف، فيما وصل الأمر لدى بعض القوى المناوئة لسياسة حزب الله إلى اتّهام الجيش والأجهزة الأمنية بالتقصير والتواطؤ لصالح الحزب.

وبانتظار جلاء التحقيقات التي يجريها كل من وزيرَي الدفاع والداخلية لكشف الثغرة التي تمكّن منها الحزب تنفيذ مخطّطه الرامي إلى الانقلاب على قرار السلطة التي سمحت بالاحتفاء بذكرى الأمينين العامّين في منطقة الروشة شرط عدم إنارة الصخرة.

في موازاة ذلك، لفتت مصادر مواكبة لتحرّكات الساعات الماضية في حديثٍ لجريدة الأنباء الإلكترونية أنّ اختيار حزب الله الاحتفال بذكرى أمينيه العامّين قبالة صخرة الروشة كان الهدف منه من الأساس إنارة الصخرة، ورفع صور الأمينين العامّين. ولو كان الامر على عكس ذلك، لكان جرى الاحتفال بهذه الذكرى على أوتوستراد الرملة البيضاء، الواقع في نطاق بلدية الغبيري. لكنّ اختيار منطقة الروشة كان الهدف منه الانقلاب على قرار الحكومة، وضرب هيبة الدولة بعرض الحائط.

وبرأي المصادر أنّ حزب الله المأزوم داخلياً بقرار حصرية السلاح، والمنهزم عسكرياً بسبب حرب الإسناد التي خاضها ضد إسرائيل، وجد نفسه بحاجةٍ لتسجيل نصرٍ ما يحفظ له ماء الوجه أمام بيئته ومناصريه الذين استغلوا هذه المناسبة واستقلّوا دراجاتهم النارية،

وراحوا يجوبون شوارع العاصمة ويهتفون "شيعة شيعة". لذا فإنّ حزب الله أراد من خياره هذا إحراج رئيس الحكومة نواف سلام والمجتمع البيروتي، ليقول للناس بأنّه لم ينهزم، وأنّ يده طائلة، وبإمكانه أن يقيم احتفالاته أينما يريد طالما يتعذّر عليه إقامتها في الضاحية، كما جرت العادة، لدواعٍ أمنيّة ما قد يساعده مستقبلاً بالاستمرار على التمرّد والبقاء خارج سلطة الدولة، اعتقاداً منه أنّ ما قام به أنصاره ومحازبيه يساعده على التنصّل من قرار حصرية السلاح الذي أقرّته الحكومة، ورفض تسليمه إلى الجيش والحديث بشأنه أقلّه في الفترة التي تسبق الانتخابات النيابية المقبلة. أمّا الأمر الآخر والهام الذي يسعى إليه الحزب فيتمثّل بالخروج من تحت عباءة رئيس مجلس النواب، نبيه بري، الذي بات يجد نفسه محرَجاً بإملاءاته عليه، بعد أن كان رئيس المجلس قد تعهّد لرئيس الحكومة بأنّ حزب الله لم، ولن، يُقدم على إنارة صخرة الروشة ورفع صور نصرالله وصفي الدين عليها، وهو ما جعل المسالة تسلك مسارها القانوني، أي أن تتقدّم جهةٌ مقرّبة من الحزب إلى محافظ بيروت بطلب الإذن بالاحتفال بذكرى استشهاد أمينَيه العامّين. وبناءً على ذلك أعطى محافظ بيروت تعليماته للجيش والقوى الأمنيّة بضبط الوضع، والالتزام بالتعليمات الصادرة عنه.

لكن الانقلاب الذي جرى أغضب الرئيس بري، وأبدى استياءَه مما حصل.

وبالمقابل، فإنّ رئيس الحكومة، نوّاف سلام، اعتبر أنّ ما حصل كان موجّهاً إليه بالدرجة الأولى لإحراجه وإخراجه إذا أمكن. فالحزب يرى باستقالة الحكومة متنفّساً كبيراً له في هذه الفترة التي يقف فيها العالم كلّه ضد حزب الله وسلاحه الذي جلب على لبنان كل هذه الويلات.

وتشير المصادر أنّ الرئيس سلام كان يعلم جيداً أنّ وجوده على رأس الحكومة وتشديده على سحب السلاح مع الإصرار على تطبيق الطائف، وتنفيذ القرار 1701، بدأ يشكّل عقبةً أمام تمدّد الدويلة على حساب الدولة.

المصادر استغربت تعاطي حزب الله مع ذكرى اغتيال السيّد حسن نصرالله تحديداً بهذه الخفّة غير المسؤولة، حيث كان الجميع يتوقّع موقفاً من قيادة الحزب، وأمينه العام الشيخ نعيم قاسم، القيام بعمليات استشهادية نوعية لتحرير النقاط الخمس المحتلة من قِبَل إسرائيل. المصادر تخوّفت من استدارةٍ متوقّعة للحزب باتّجاه الداخل من بوابة صخرة الروشة، وتساءلت عن المغزى من سعي الحزب لتسجيل انتصاره على اللبنانيين وليس على إسرائيل.

سلام لن يعتكف ولن يستقيل

مصادر رئيس الحكومة نوّاف سلام نقلت عنه عبر الأنباء الإلكترونية بأنّه ليس في وارد الاستقالة ولا الاعتكاف، لكنّه منزعجٌ جداً مما جرى، وهو بانتظار جلاء التحقيقات التي يجريها وزيرا الدفاع والداخلية لمعرفة الثغرات التي سمحت لعناصر حزب الله التحايل على قرار محافظ بيروت والانقلاب عليه. وكان سلام قد طلب من الجيش والأجهزة الأمنيّة تحييد المراكز العامة والسياحية عن التسييس واستخدامها لأغراض حزبية، وأنّ سلام يشدّد على توقيف مخالِفي قرار الحكومة، فهو يعتبر ما جرى بأنّه يمسّ بموقع رئيس الحكومة بالدرجة الاولى.

منسّى: المهمة الوطنية للجيش كانت وستبقى درء الفتنة

في السياق، ورداً على الاتّهامات التي طاولت الجيش والقوى الأمنية بالتقصير، أصدر مكتب وزير الدفاع الوطني، ميشال منسّى، بياناً أكّد فيه أنّ المهمّة الوطنية الأساسية للجيش كانت، وستبقى، لدرء الفتنة، ومنع انزلاق الوضع إلى مهاوي التصادم، وردع كل متجاوزٍ على السلم الأهلي، وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية. وأشار البيان إلى أنّ الجيش قدّم الدماء والأرواح وتحمّل الإصابات والإعاقات في سبيل الأرض، والعَلَم والكرامة، دون أن ينتظر شكوراً أو مكافأة من أحد.

أورتاغوس عائدة

وتوقعت مصادر دبلوماسية عودة الموفدة الأميركية، مورغان أورتاغوس، إلى لبنان منتصف شهر تشرين الأوّل المقبل للمشاركة في اجتماع وقف إطلاق النار "الميكانيزم" المقرّر في 15 تشرين الأول في الناقورة دون معرفة ما إذا كانت ستلتقي بالمسؤولين الرسميين، أو السياسيين كما درجت العادة.

برّاك يتراجع

في هذا الإطار سُجّل تراجعٌ ملحوظٌ في اليومين الماضيَين في نبرة الموفد الأميركي توم برّاك حيال موقفه من السلطة اللبنانية بعد التصريحات التي أطلقها الأسبوع الماضي عن لبنان وحكومته وجيشه، وذلك على عكس الحديث الذي أدلى به وزير الخارجية الأميركي عقب لقائه رئيس الجمهورية جوزاف عون في نيويورك وتأكيده أنّ بلاده ستوفّر الدعم للبنان للتغلّب على أزمته الاقتصادية.

وفي المعلومات أنّ برّاك قد يتخلى عن مهامه في لبنان مع ترجيح أن يحلّ مكانه في مهامه الجنرال دايفيد باتريوس. وفيما تصرّ الإدارة الأميركية على تفكيك الهيكلية التنظيمية لترسانة حزب الله، فهذا المطلب يحظى بإجماعٍ عربي وأوروبي وأميركي. وفي تصريحاته لصحيفة الشرق الأوسط رأى برّاك أنّ أزمة الشرق الأوسط لا يمكن حلّها دفعةواحدة، مشدّداً بأنّ الحلول ستكون تدريجية، بدءاً من تركيا وصولاً إلى سوريا ولبنان والأردن وغزة. وأكّد برّاك أنّ الشرق الأوسط ليس دولاً بل عشائر وقرى أنشأها البريطانيون والفرنسيّون.

يقرأون الآن