كشف استطلاع أميركي جديد عن تحول كبير بين الناخبين الأميركيين، إذ أصبحت مخاوفهم بشأن سلامة النظام السياسي تتجاوز القضايا الأخرى.
أظهر الاستطلاع الذي أجرته صحيفة نيويورك تايمز وجامعة سيينا أن الأميركيين بات لديهم إيمان أقل بكثير بقدرة النظام السياسي في البلاد على حل المشكلات مقارنة بما كانوا عليه قبل خمس سنوات، إذ يعتقد أغلبية كبيرة الآن أن الولايات المتحدة غير قادرة على تجاوز انقساماتها العميقة.
حتى في ذروة جائحة كورونا، حين كان البلد منقسماً حول إلزامية ارتداء الأقنعة ويواجه أسئلة تتعلق بعدم المساواة العرقية، كان أغلب الناخبين لا يزالون يعتقدون أن البلاد قادرة على حل مشكلاتها السياسية. اليوم، لا يعتقد ذلك سوى 33 في المئة فقط من الناخبين.
هذا الارتفاع الحاد في التشاؤم يعكس تحولاً لافتاً في تصور الرأي العام لما يعيب البلاد. فبعد الاقتصاد، وجد الاستطلاع أن الأميركيين أكثر ميلاً إلى اعتبار مشاكل الثقافة السياسية — مثل الاستقطاب وحالة الديمقراطية — من بين القضايا الأكثر إلحاحاً، متقدمة على الهجرة أو التضخم أو الجريمة.
أُجري الاستطلاع بين 22 و27 سبتمبر على 1,313 ناخباً مسجلاً، في لحظة حساسة تلت اغتيال الناشط اليميني تشارلي كيرك بأسبوعين تقريباً، وقبل إغلاق الحكومة الفيدرالية الذي بدأ منتصف ليلة الأربعاء — وهو تطور يُرجّح أن يعزز مشاعر السخط لدى الناخبين تجاه الانقسام والشلل السياسي.
قالت آمبر يانغ (37 عاماً) من بوسطن، وهي تعمل في مجال المال وتُعرّف نفسها كديمقراطية: «لم يعد ممكناً الآن إجراء نقاش سياسي». وأضافت أن الاستقطاب تسلل إلى معظم جوانب الحياة، معقّداً إدارة الأعمال وحتى تربية الأسرة. وأردفت: «لا يوجد توافق على الحقائق، وعندما لا يمكنك أن تجري محادثة، فكيف يمكنك المضي قدماً؟».
ورغم أن المزاج العام قاتم، أظهر الاستطلاع أن الأميركيين ما زال لديهم بعض الأمل وحسن النية تجاه الطرف الآخر. فجزء صغير فقط من الناخبين بدا مرتاحاً لوصم خصومهم كـ«أعداء».
فعندما سُئل الديمقراطيون إن كانوا يعتبرون الجمهوريين «أعداء» أو «أميركيين زملاء يختلفون معهم سياسياً»، لم يختر الوصف الأشد سوى 10 في المئة فقط، وهو انخفاض طفيف عن العام الماضي. أما الجمهوريون، فقد وصف 14 في المئة منهم الديمقراطيين بـ«الأعداء»، بزيادة طفيفة.
وفي ما يخص حرية التعبير، قال 60 في المئة إنهم يشعرون بالارتياح للتعبير عن آرائهم، لكن الجمهوريين كانوا أكثر شعوراً بالحرية مقارنة بالديمقراطيين. كما أبدت أغلبية ساحقة من الديمقراطيين والمستقلين — و57 في المئة من الجمهوريين — معارضتهم لإلغاء تراخيص محطات التلفزيون التي تبث برامج تنتقد الرئيس ترامب.
مع ذلك، التقط الاستطلاع مشهداً لناخبين يعيشون لحظة من الشكوك العميقة حول حيوية الديمقراطية الأميركية. فقد قال 55 في المئة إنهم يعتبرون الولايات المتحدة «بلداً ديمقراطياً»، بينما خالفهم 41 في المئة، بينهم 52 في المئة من الديمقراطيين و40 في المئة من المستقلين.
كما كشف الاستطلاع عن مدى تجذر الحزبية. فـ 50 % من الناخبين يرون أن ترامب يمثل تهديداً فريداً للنظام الأميركي، بينما يرى النصف الآخر أنه يشرف على اقتصاد مستقر أو متحسن وأوفى بوعوده الانتخابية.
قال آل هايمان (49 عاماً) من لويزيانا، وهو من مؤيدي ترامب: «لسوء الحظ، يبدو أنك مضطر لاختيار طرف». وأقرّ بأن الرئيس متهور في كلماته وغالباً ما تكون مثيرة للاستفزاز، لكنه أضاف بسرعة أن الديمقراطيين وبعض وسائل الإعلام يتحملون جزءاً من المسؤولية عن الاستقطاب، لأنهم يلقون اللوم على ترامب في كل ما يحدث. وأضاف: «الأمور خرجت عن السيطرة. الأطراف تتباعد في وقت نحن بحاجة فيه للالتقاء من أجل إنجاز الأمور، لكن أياً منهما لا يريد ذلك».
قبل انتخابات 2024، أظهرت الاستطلاعات أن الناس كانوا أكثر ميلاً إلى اعتبار قضايا مثل التضخم والإجهاض والهجرة أهم ما يؤثر في تصويتهم. أما الاستقطاب، فلم يكن يُذكر تقريباً.
اليوم، اندلعت موجات من العنف السياسي في أنحاء البلاد بوتيرة مثيرة للقلق، من بينها اغتيال كيرك وقتل سيناتورة من مينيسوتا وزوجها في يونيو. وعندما سُئل الناخبون عن المسؤول، أجاب كل طرف: «الطرف الآخر».
وعن أبرز المشاكل، وضع الديمقراطيون ترامب والحزب الجمهوري في المرتبة الأولى، قبل الاقتصاد. قالت ليا سميث (50 عاماً) من نيويورك: «أشعر وكأنني أعيش في حلقة من مسلسل ذا توايلايت زون»، مشيرة إلى أن سياسات إدارة ترامب كانت ظالمة للنساء والسود والمثليين.
أما الجمهوريون، فقد حددوا الاقتصاد كأكبر مشكلة، ثم الديمقراطيون.
إغلاق الحكومة قد يكون نقطة اتفاق. فحين سُئلوا عمن يجب أن يُلام، قال 19 في المئة إن المسؤولية تقع على الديمقراطيين في الكونغرس، بينما ألقى 26 في المئة باللوم على ترامب والجمهوريين. أما الثلث تقريباً، فقالوا إن الطرفين معاً يتحملان المسؤولية بالتساوي.