العراق

توقعات متشائمة بإمكانية تحقيق الانتخابات العراقية تحولاً جذرياً

توقعات متشائمة بإمكانية تحقيق الانتخابات العراقية تحولاً جذرياً

رغم التنافس الحاد الذي يبدو جلياً هذه الأيام بين القوى السياسية العراقية، الشيعية والسنية والكردية، المشاركة في الانتخابات العامة المقررة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن ترجيحات المراقبين، التي تميل إلى التشاؤم من إمكانية إحداث تغيير جذري في المشهد السياسي المقبل، تميل إلى توقع عودة الأطراف المتصارعة داخل الحلبة الانتخابية الحالية، بعد إعلان نتائج الانتخابات، إلى طاولة الحوار المعتادة منذ خمس دورات انتخابية، لتتقاسم حصصها الوزارية والحكومية في سياق ما باتت قوى السلطة تسميها بـ«التوافقية» السياسية، فيما يطلق عليها معارضو السلطة «المحاصصة الطائفية والقومية».

ومع أن جميع القوى السياسية المختلفة تتصارع بقوة للظفر بأعلى المقاعد النيابية داخل المكون الواحد، إلا أن الصراع داخل قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية يبدو الأكثر شدة، بالنظر للعرف السياسي الذي شاع بعد عام 2003، والذي يقضي بذهاب المنصب التنفيذي الأول في البلاد الممثل في رئاسة الوزراء إلى القوى الشيعية.

ولذا، فإن الصراع داخل هذه القوى يذهب في اتجاه تصاعدي لافت هذه الأيام، وخاصة بين القطبين البارزين داخله: ائتلاف «دولة القانون» الذي يتزعمه نوري المالكي، وتحالف «التنمية والإعمار» الذي يتزعمه رئيس الوزراء محمد السوداني، فكلا الرجلين يطمح بقوة إلى حصد منصب رئاسة الوزراء المقبلة.

يريد المالكي أن يصل إليه للمرة الثالثة، بينما يريد السوداني الاستمرار فيه للمرة الثانية. ويعتقد كثير من المراقبين أن هذين الطموحين يغذيهما غياب «التيار الصدري» من المنافسة الانتخابية.

وبحسب بعض المراقبين، فإن غياب الصدر وتياره يعني بالنسبة إلى المالكي أن طموحه في الولاية الثالثة سيكون «بمنأى عن ممانعة خصمه اللدود مقتدى الصدر»، فضلاً عما يمكن أن يحصل عليه من مقاعد إضافية جراء الغياب الصدري. وكذلك الحال بالنسبة لرئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، غير المرضي عنه من الصدر هو الآخر، إذ تتحدث الأوساط القريبة منه عن أنه «سيحصد معظم المقاعد البرلمانية التي كان سيحصل عليها تيار الصدر داخل البيئة الشيعية»، ما يؤهله ليكون رقماً صعباً في البرلمان المقبل.

ومعروف أن الصدريين حصلوا على 73 مقعداً في البرلمان الحالي، قبل أن يقرر مقتدى الصدر انسحابهم عام 2022.

وحتى مع الخصومة الشديدة القائمة الآن بين مختلف القوى الإطارية، إلا أن ترجيحات المراقبين، وبرغم طابعها المتشائم الذي يستبعد تحولاً جذرياً في معادلة السلطة، تذهب إلى حتمية تحالفها اللاحق وبعد إعلان نتائج الانتخابات، للمحافظة على منصب رئاسة الوزراء داخل المكون الشيعي.

توقعات متشائمة

وعبّر عدد من المراقبين والمحللين في أحاديث لـ«الشرق الأوسط» عن تشاؤم واضح إزاء إمكانية أن تحدث الانتخابات المقبلة تحولاً جدياً بالنسبة للمسار السياسي العراقي المتعثر منذ عقدين من الزمن، والذي استند على مبدأ التحاصص، والتغانم السياسي بين المكونات المختلفة.

ويعتقد المحلل والدبلوماسي السابق الدكتور غازي فيصل أن «طبيعة المحاصصة الطائفية، بوصفها عرفاً سائداً والتي تمثل انتهاكاً للدستور، باتت تشكل القاعدة أو الاستراتيجية السياسية لمعظم القوى، وخاصة بالنسبة لقوى الأغلبية في العراق».

ويتوقع فيصل استمرار قوى الأغلبية في «الاستحواذ على السلطات الثلاث، وعلى القرار السياسي والسيادي عبر هذه الأغلبية التي تتحكم بمجلس النواب والسلطة التنفيذية ممثلة برئاسة الوزراء».

ومع بقاء هذه المعادلة، والكلام للدبلوماسي السابق، وبقاء «قوى الإطار التنسيقي مهيمنة ومتحكمة بالسلطة التشريعية والتنفيذية، فسيبقى الحال على ما هو عليه بالنسبة لشكل السلطة وطبيعتها».

ويضيف أنه «إذا ما بقي مبدأ المحاصصة الطائفية والسياسية وتوزيع السلطات والنفوذ بما يضمن استمرار أحزاب الأغلبية الشيعية وهيمنتها على السلطات الثلاث، فلن يتغير شيء على صعيد السياسات العامة في البلاد».

ويرفض كفاح محمود المستشار الإعلامي لرئيس «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، مسعود بارزاني، الحديث عن «تفاؤل محتمل» يمكن أن يترتب على نتائج الانتخابات المقبلة.

ويقول إن «المشهد الحالي ليس إلا امتداداً لما جرى منذ أول انتخابات برلمانية جرت عام 2005».

بيد أن محمود يرى «أن تحولاً سلبياً طرأ هذه المرة، ويتمثل في أن قوى الميليشيات والفصائل المسلحة، ذات الأذرع السياسية داخل البرلمان وخارجه، باتت تعمل بحريةٍ أكبر وتمويلٍ أوسع، مستفيدةً مما تجنيه من مكاتبها الاقتصادية وفرض الإتاوات، خصوصاً في المنافذ الحكومية وبين الإقليم والمناطق الأخرى».

ويرى أيضاً «أن هناك نزولاً غير طبيعي للعشائر إلى ساحة المنافسة، وقد بدا واضحاً أن كثيراً منها يحظى بدعمٍ مالي كبير، فضلاً عن استخدام موارد الدولة وأموالها في الحملات الدعائية الانتخابية».

وخلص محمود إلى القول: «لا أتوقع أي تغيير جذري يمكن أن تفرزه الانتخابات، إلا إذا جاء العامل الخارجي بدفعٍ مباشرٍ ومؤثر، أما مبدأ المحاصصة فسيبقى قائماً، مع استمرار محاولات الضغط على الإقليم (كردستان) لتقليص خصوصياته وصلاحياته».

لا يوجد تغيير جديّ

ويبدي الدكتور إحسان الشمري، رئيس «مركز تفكير السياسي» وأستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، المنحى المتشائم ذاته بالنسبة لنتائج الانتخابات المقبلة.

ويقول إن «سمة هذه الانتخابات الأساسية هي أنها لا تحمل صفة التغيير الجدي، وتأتي في سياق التكرار المعتاد الذي شهدناه في الدورات السابقة».

ويستند الشمري في تحليله، على «عدم وجود برامج انتخابية حقيقية لأغلب القوى والكتل أو الائتلافات السياسية، ويبدو أن هذه القوى لا تهتم، وهي تستعد لخوض الانتخابات، كثيراً بالتغيير بقدر اهتمامها بالوصول وبأية طريقة كانت إلى السلطة».

ويعتقد «أن عدم وجود برامج سياسية حقيقية ناجم من عدم رغبة القوى السياسية في الالتزام ببرامج محددة، وخاضعة لاحقاً للمحاسبة من قبل ناخبيها».

ويشير الشمري إلى أن «معظم المشاركين في الانتخابات هم من القوى التقليدية المعروفة التي هيمنت على السلطة منذ خمس دورات انتخابية، وهذا سبب آخر لعدم رفع سقف التوقعات المتفائلة بشأن المرحلة المقبلة».

ويرى أن ما يحدث في الدورة الحالية «ليس أكثر من مناورة انتخابية، وسرعان ما ستنصهر القوى السياسية طائفياً وقومياً لتقاسم المناصب... لا أتوقع تحقيق أي اختراق يذكر يجعلنا قادرين على رؤية تكتلات سياسية تعتمد الهوية الوطنية والكفاءة والحكم الرشيد في إدارة البلاد».

ويشير الشمري إلى عوامل أخرى ستساهم في بقاء الحال على ما هو عليه، وضمنها «مقاطعة قوى سياسية وازنة لهذه الانتخابات، مثل (التيار الصدري، وائتلاف (النصر)، إلى جانب بعض القوى السياسية الناشئة، وذلك يعني عزوف كثير من الناخبين عن المشاركة، ما يؤدي إلى تصدع الثقة بمجمل العملية الانتخابية ومخرجاتها».

يقرأون الآن