بيئة

تغير أكبر تيار محيطي يعيد تشكيل مناخ الكوكب وأنظمته البيئية

تغير أكبر تيار محيطي يعيد تشكيل مناخ الكوكب وأنظمته البيئية

تشير أبحاث جديدة إلى أن الحزام الناقل الشاسع من المياه الباردة حول القطب الجنوبي، والذي يعرف بالتيار المحيطي الجنوبي، قد يغير موقعه خلال القرون القادمة، مما قد يُعيد تشكيل مناخ الكوكب وأنظمته البيئية.

والتيار القطبي أو المحيطي الجنوبي (Antarctic Circumpolar Current) هو تيار هائل من مياه البحر الباردة يتدفق باتجاه عقارب الساعة من الغرب إلى الشرق حول القارة القطبية الجنوبية.

والقوة الدافعة الرئيسية وراءه هي الرياح الجنوبية الغربية القوية، التي تكتسح القارة الجنوبية دون أن توقفها كتل اليابسة، ويلعب هذا التيار دورا رئيسيا في تنظيم المناخ العالمي، وهو ينقل نحو 182 مليون متر مكعب من المياه في كل ثانية وهو في حالة حركة دائمة.

ويُمثل الغلاف الجوي الأطلسي حلقة وصل أساسية بين المحيطات الأطلسي والهادي والهندي، ويلعب دورا محوريا في حركة الحرارة ودورة الكربون عبر العالم، وكذلك توزيع العناصر الغذائية عبر المحيطات، إلا أن الدراسات الحديثة تُشير إلى أنه قد لا يكون ثابتا كما كان يُعتقد سابقا.

وفي الدراسة الجديدة، قام فريق دولي من العلماء بتجميع أجزاء تاريخ التيار القطبي الجنوبي باستخدام عينات أساسية تم جمعها من عمق يتراوح بين 3 آلاف و4 آلاف متر تحت سطح بحر سكوتيا شمال القارة القطبية الجنوبية.

تُقدم هذه العينات سجلاً مفصلا لسير التيار، ويُقدم حجم حركة الجزيئات الدقيقة في المياه المحيطية دليلا حاسما، فعندما يتدفق التيار بشكل أسرع، يحمل معه تلك الجزيئات التي لا تستقر في قاع البحر إلا عندما يتباطأ الماء، ومن خلال دراسة توزيع حجمها، يُمكن للعلماء إعادة بناء التغيرات في سرعة التيار بمرور الوقت.

ومن خلال دراسة تلك الجزيئات، وجد الفريق أن الغلاف الجوي المحيط بالأرض كان أقوى بشكل ملحوظ في الماضي خلال الفترات الدافئة.

وقال مؤلف الدراسة من معهد علوم الأرض بجامعة بون الألمانية الدكتور مايكل ويبر في بيان "كانت السرعة في الفترة الدافئة قبل الأخيرة، منذ ما يقرب من 130 ألف عام، أكبر بـ3 مرات من السرعة في الألفية الماضية التي تشكل الفترة الدافئة الحالية".

ويعزو الباحثون هذه الزيادة الكبيرة في السرعة إلى تغيرات في مدار الأرض حول الشمس، مما غيّر كمية الإشعاع الشمسي والحرارة الواصلة إلى الكوكب، وتتكرر هذه الدورة كل مئة ألف عام تقريبا، بالإضافة إلى تغير ميلان محور الأرض ودورانه كل 21 ألف عام.

كما وجدوا أن منطقة التغير المناخي الأطلسي تحركت جنوبا نحو القارة القطبية الجنوبية خلال الفترة نفسها بحوالي 600 كيلومتر.

ويؤكد ويبر أن ذلك أدى إلى تقريب المياه الدافئة من الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية، وهو ما قد يكون ساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار يترواح بين 6 و9 أمتار في آخر فترة جليدية.

نقطة تحول حرجة

ويحذر الباحثون من أن تغيير التيار الأطلسي سرعته وموقعه خلال فترات الدفء الماضية قد يؤدي إلى احتمال حدوث استجابة مماثلة في المستقبل، وتشير بعض الأدلة بالفعل إلى تسارع التيار بسبب تغير المناخ، رغم أن النمذجة الجديدة تشير إلى أنه قد ينجرف شمالًا، معاكسا بذلك تحولا متوقعا جنوبا ناجما عن الاحتباس الحراري العالمي.

وباعتبارها عقدة أساسية ومهمة في النظام الطبيعي للأرض، فإن أي تغيير كبير في الغلاف الجوي المحيطي قد يؤدي إلى إحداث تأثيرات متتالية عبر النظم البيئية والسواحل وأنظمة المناخ في جميع أنحاء العالم.

وكانت دراسة سابقة قد حذرت من أن نقطة التحول في الدورة الانقلابية المحيطية الأطلسية المعروفة بـ"أموك" (Amoc)، من المرجح أن تحصل في غضون بضعة عقود، ولكن الانهيار نفسه قد لا يحدث إلا بعد 50 إلى مئة عام.


وتُعدّ "أموك" أيضا جزءا رئيسيا من نظام المناخ العالمي، فهي تجلب المياه الاستوائية الدافئة بأشعة الشمس إلى أوروبا والقطب الشمالي، حيث تبرد وتنخفض لتشكل تيارا عائدا عميقا وحيويا.

ويقول العلماء إن التخفيضات الكبيرة في انبعاثات الوقود الأحفوري باتت أكثر إلحاحا لتجنب التأثير الكارثي لانهيار هذا الناقل المحيطي الضخم، وتجنب نقطة تحول مناخي خطيرة.

يقرأون الآن