تتابع القوى الأمنية والجيش اللبناني عملياتهما الأمنية بتغطية وتأييد رئاسي مباشر؛ فأنجز خلال الأشهر القليلة الماضية ما صَعُب تنفيذه في السنوات الماضية. فما الذي اختلف بين الأمس واليوم؟ ما السر في كفاءة ونشاط القوى الأمنية في هذه المرحلة؟ وإلى أي مدى ساهم التنسيق الأمني مع سوريا في إرساء هذا المشهد؟
لا شك أن صاحب العهد الجديد كان ذات بصمة خاصة حتى قبل توليه مهامه الرئاسية، فالكثير من العسكرين واللبنانيين ما زال يذكر طبيعته الشديدة وولائه للمؤسسة العسكرية وتعاطفه مع العسكريين، وهو الذي عرفته الكلية الحربية بثباته وصلابته حين خلصها من خروقات إدارية طالت بنيانها الأساسي أبان تسلمه قيادة الجيش.
وفي حديث خاص لموقع "وردنا" أوضح الصحافي يوسف دياب أن العمليات الأمنية نشطت في ظل هذا العهد وأطلقت اليد الكاملة للجيش، فضرب بخطوات ثابتة وبعزيمة راسخة، هدت قلاع المخدرات وأساطير المطلوبين، خصوصا بعدما بدأت باكتشاف وإغلاق الكثير من معامل الكبتاغون الموجودة على الحدود بين لبنان وسوريا ومنع تصديرها من مصدرها الخارجي وضغط الشبكات بالداخل.
وعلى الرغم من أن الدولة قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال إلا أنه ما زال هناك الكثير من العوائق أمام العهد لإقامة دولة قوية، ولعل أبرزها تمسك حزب الله بسلاحه، الذي يفرض وجوده كدولة جديدة وجيش جديد إلى جانب الدولة والجيش اللبناني، إذ إن الدولة لن تستعيد سيادتها كاملة ما لم تحصر السلاح وقرار السلم والحرب بيدها وحدها. وهذا، بحسب دياب، التحدي الأهم لقيام الدولة في ظل العهد الجديد.
أما في مواجهة تجارة المخدرات في المخيمات أوضح دياب، أن "ملف المخدرات من أكثر الملفات التي يتمّ تناولها بجدية وأهتمام، وأن الدولة تضيق الخناق على التجار من الخارج، إضافة إلى عمليات تقوم بها في الداخل لإلقاء القبض على رؤوس شبكات المخدرات تمهيدا لاستئصالها نهائيا"؛ في إشارة منه إلى أن الدولة ما زالت في طور القضاء على عملية صناعة المخدرات، وما زالت بحاجة إلى تقنيات وعديد وعمليات مراقبة ومخبرين تسهل عملها.
وتابع: "تحاول الدولة من خلال عملياتها حصر مصدر المخدرات تمهيدا لاجتثاثه نهائيا، ليس غضبا أو خنقا لبيئة ما بمقدار ما هو حماية وقطع لامداد السوق المحلية من المخدرات. ومن المؤسف أن تشكّل منطقة البقاع حالياً المصدر الأكبر لهذه الجرائم".
وأضاف دياب: "الدولة تستعين بتقنيات أجنبية لملاحقة أخطر المطلوبين (تجار ومصنّعي واصحاب معامل المخدرات)، وذلك يفسّر إستخدام الجيش في الفترة الأخيرة الطائرات المسيّرة في عملياته، بهدف ترجمة نية العهد لبناء دولة قوية".
ومن جهة أخرى ساهم الوضع الإقليمي الراهن والتنسيق الأمني مع سوريا إلى حد كبير في مكافحة الاتجار بالمخدرات، نتيجة لما يقوم به الأمن السوري في منع تسلل المطلوبين والتجار إلى سوريا وبالتالي حصرهم في قبضة الجيش اللبناني، فضلا عن أغلاق المصنع الأكبر لإنتاج المخدرات في سوريا بعد سقوط النظام.
إذا، حمل العهد الجديد معه روحاً أمنية حاسمة وقرارات جريئة، وبدأ بتحقيق إنجازات ملموسة في ملفات شائكة، وعلى رأسها ملف المخدرات. إلا أن استمرار هذا الزخم يحتاج إلى دعم سياسي ومجتمعي واسع، وتضافر جهود جميع مؤسسات الدولة. فهل تنجح الدولة في استعادة سيادتها الكاملة، وتجفيف منابع الفساد والإدمان، أم أن العقبات السياسية ستُفرمل هذا الاندفاع؟ وحدها الأيام ستجيب.