مثّل الإعلان عن اتفاق غزة انتصاراً دبلوماسياً كبيراً للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي استخدم نفوذه للضغط على الأطراف المتصارعة بعد جهود وساطة عربية وإقليمية مكثفة.
هذا الإنجاز أثار موجة من الثناء من مختلف أطياف المشهد السياسي الأميركي، فقد أشاد الرئيس السابق جو بايدن بالعمل المُنجز، مُثنياً على "الرئيس ترامب وفريقه لعملهم في إتمام صفقة وقف إطلاق مشيرًا إلى جهود إدارته لإنهاء الحرب.
كما علقت نائبة الرئيس السابقة كاميلا هاريس على الصفقة، واصفة إياها بأنها "خطوة أولى مهمة نحو مستقبل أكثر أملاً" في المنطقة.
بالنسبة لترامب، فإن المرحلة العسكرية قد انتهت، فقد أصر مراراً على أن "الحرب قد انتهت"، مصرحاً في إسرائيل بأن "إسرائيل، بمساعدتنا، ربحت كل ما يمكن أن تربحه بقوة السلاح".
كان الهدف من هذه التصريحات هو طمأنة الدول الإقليمية بأن واشنطن لن تسمح لإسرائيل بإعادة فتح الصراع أو السماح لحماس بإعادة تأسيس نفسها عسكرياً. وقد تجسد ضغط ترامب في إجباره رئيس الوزراء نتنياهو على القبول بالاتفاق، حتى ضد رغبة بعض شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف.
أحدثت صفقة ترامب انقساماً واضحاً داخل الحزب الجمهوري، متجاوزة حالة الإجماع التقليدي، انقسمت الآراء إلى تيارين رئيسيين: التيار الأول يرى الصفقة "إنجازاً تاريخياً" يرسخ مكانة ترامب كصانع سلام بارز، مشيدين بقدرته على فرض الهدنة.
ومن أبرز مؤيدي هذا التيار، رئيس مجلس النواب السابق نيوت جينجريتش الذي وصف الصفقة بـ "اللحظة الاستثنائية".
أما التيار الثاني والأكثر تشدداً، فيخشى أن تؤدي التفاصيل غير المكتملة في خطة ترامب إلى إضعاف الموقف الأمني لإسرائيل على المدى الطويل، رغم دعمهم لنهج ترامب الذي يدعو الدول المنطقة العربية لتحمل العبء المالي.
تنطلق رؤية ترامب لسلام غزة من مبدأ الاستثمار والتنمية الاقتصادية، حيث أكد على أن الولايات المتحدة لن تتحمل فاتورة "إعادة الإعمار التي وصف تكاليفها بـ "الضخمة".
وتدعو الخطة الشركاء الإقليميين لتحمل هذا العبء المالي المقدر بأكثر من 30 مليار دولار.
ولإدارة هذه العملية، اقترح ترامب تشكيل "مجلس السلام" برئاسته للإشراف على التنمية وربما تأسيس "منطقة اقتصادية خاصة"، هذا النهج يهدف إلى استخدام التنمية الاقتصادية كرافعة للاستقرار السياسي، لكنه يتضمن أيضاً ضمانات عسكرية صارمة لعدم السماح لحماس بتقويض العملية.
انقسام سياسي
على الجانب الديمقراطي، ورغم الترحيب بالهدنة، حذر دبلوماسيون سابقون مثل دان شابيرو من أن الإدارة الحالية ربما بالغت في التركيز على التطبيع الإسرائيلي-العربي وقللت بشكل كبير من أهمية المسار نحو الدولة الفلسطينية.
وأشار شابيرو إلى أن أي تراجع أمريكي عن دعم حل الدولتين "قد يقلل من حافز الدول الإقليمية على الضغط على حماس للالتزام بالاتفاق.
كما يرى المحللون في واشنطن أن هناك تحدياً إقليمياً رئيسياً لا يزال يهدد استدامة خطة ترامب، وهو التحدي الإيراني؛ إذ يؤكدون أن أي سلام سيبقى هشاً وقابلاً للانهيار ما لم يتم وضع استراتيجية أمريكية جديدة وشاملة لمعالجة نفوذ طهران."
يظل نزع سلاح حماس هو النقطة الأكثر صعوبة والأكثر غموضاً في خطة ترامب، الخطة تشترط تدمير "جميع البنى التحتية العسكرية والإرهابية" وضمان "عدم إعادة بنائها"، مع الإشارة إلى برنامج تمويل دولي لـ "إعادة شراء" الأسلحة.
ويؤكد المحللون في المراكز البحثية أن استدامة الاتفاق تعتمد بشكل حاسم على قدرة المجتمع الدولي على تحقيق ذلك،لكن التحدي الأكبر يكمن في أن نزع السلاح هذا يظل هدفاً ترفضه حماس، مما يهدد بتفجير الاتفاق في حال تخلفت الحركة عن هذه الشروط.
وأشار الخبير جون ألترمان إلى أنه: "من الصعب تذكر اتفاق دولي ترك الكثير من التفاصيل ليتم حلها لاحقاً". كما أن تشكيل "قوة الاستقرار الدولية" المقترحة لا يزال غامضاً، حيث لم تلتزم أية دولة بعد بتقديم قوات، وسط مطالبات بضرورة وجود تفويض من مجلس الأمن الدولي.
بدأت التشققات تظهر على الاتفاق بعد الإعلان عنه، خاصة فيما يتعلق بملف جثث الرهائن.
هذا النقص في الالتزام، إلى جانب آراء السياسيين الإسرائيليين المتشددين مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذي يرى أن "الضغط العسكري وحده هو الذي يعيد الرهائن"، يجعل الأوساط الدبلوماسية قلقة من أن الوقت قد لا يكون كافياً لترسيخ "أعظم صفقة" قبل انهيارها."