هل تخيلت يومًا أن تستيقظ على خبر يقول: "لا حجاب إلزامي بعد اليوم في إيران"؟
في بلدٍ تُمنع فيه النساء من خلع الحجاب في الشوارع، داخل جمهورية إسلامية قامت على فرضه بالقانون، يبقى الحلم بالحرية والاختيار حاضراً في أذهان كثير من الإيرانيات: أن يخلعن الحجاب متى أردن، وأن يتحركن في فضائهن العام دون رقابة أو قمع.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه اليوم: ما مدى صحة ما يُتداول عن نية إيران التخلي عن الحجاب الإلزامي؟
عودة إلى البدايات: كيف بدأ كل شيء؟
بعد الثورة الإسلامية عام 1979، غيّرت إيران نظامها بالكامل، فانتقل من ملكي علماني إلى ديني إسلامي، وأُعيد تشكيل المجتمع والقوانين على أسس الشريعة الإسلامية.
في مارس من العام نفسه، وبعد أسابيع من سقوط الشاه، أصدر آية الله الخميني قراراً يُلزم النساء العاملات في المؤسسات الحكومية بارتداء الحجاب، في خطوة أولى نحو تعميم هذا الإلزام على جميع النساء في الأماكن العامة.
وفي عام 1983، أُدرج الحجاب الإلزامي ضمن قانون العقوبات الإسلامي بشكل صريح، إذ نصّت المادة 638 على معاقبة كل امرأة تظهر في الأماكن العامة بدون "حجاب شرعي" بالغرامة أو السجن.
ولم يكن القانون نظرياً فقط؛ فسرعان ما ظهرت شرطة خاصة تُعرف باسم "الشرطة الأخلاقية" أو "دوريات الإرشاد"، تتولى مراقبة التزام النساء بالحجاب، وتقوم باعتقال أو تحذير من تخرق هذا الإلزام.
ومنذ ذلك الوقت، أصبح الحجاب الإلزامي رمزاً أساسياً من رموز النظام الإيراني، لكنه كان دائماً أيضاً موضع صراع بين الدولة والمجتمع، خاصة مع تغيّر الأجيال وتصاعد الحركات الاحتجاجية، لا سيما بعد حادثة وفاة مهسا أميني في عام 2022 أثناء احتجازها لدى شرطة الأخلاق، والتي فجّرت احتجاجات واسعة داخل إيران وخارجها، تحت شعار "امرأة، حياة، حرية".
الحجاب اليوم: بين الواقع والجدل السياسي
في أكتوبر 2025، صرّح محمد رضا باهنر، وهو عضو في "مجلس تشخيص مصلحة النظام"، بأن قانون الحجاب أصبح "غير قابل للتنفيذ قانونياً". هذا التصريح فتح الباب واسعاً أمام التكهنات بأن النظام قد يتجه نحو إلغاء الإلزام رسمياً.
لكن الواقع القانوني لا يزال مختلفاً. فحتى اللحظة، لم يتم إلغاء المادة 638 من قانون العقوبات، ولا يوجد أي إعلان رسمي بإلغاء الحجاب الإلزامي أو العقوبات المرتبطة به. التصريحات لم تُترجم إلى قوانين جديدة، ولا تزال الدولة تعتبر الحجاب واجباً شرعياً وقانونياً.
في المقابل، هناك مرونة متزايدة في التطبيق: الكثير من النساء بات يظهرن في الشوارع بدون حجاب أو بحجاب غير مطابق، وتواجد شرطة الأخلاق أصبح أقل ظهوراً أو حدة في بعض المناطق.
ومع ذلك، يبقى القانون أداة ضغط بيد النظام: فالنساء والمؤسسات المخالِفة قد تتعرّض للمساءلة، خاصة إذا تم التحدّي علناً أو في أماكن خاضعة للرقابة.
السلطات، في هذه المرحلة، تتعامل بحذر مع هذا الملف، خشية انفجار احتجاجات جديدة قد تُحرج النظام أو تُضعفه داخلياً وخارجياً.
الانقسام في الداخل... من يتحكم بمن؟
اليوم، نشهد انقساماً حاداً داخل معسكر المحافظين الإيرانيين. فبعضهم لا يزال يُصرّ على الإلزام، ويرى فيه واجباً دينياً وركيزة لنظام الجمهورية الإسلامية، بينما يرى آخرون أن الإصرار على القانون بات عبئاً سياسياً، وأنه لم يعد منطقياً في ظل الواقع الاجتماعي الجديد.
خلال الشهور الأخيرة، انتشرت صور وفيديوهات لنساء في طهران ومدن إيرانية أخرى بلا حجاب، ما أثار غضب التيار المتشدد. لكن بعض التقارير تُشير إلى أن هؤلاء النساء ينتمين في الغالب إلى الطبقة المخملية أو الثرية، وهي طبقة تعيش في مناطق يصعب على شرطة الأخلاق دخولها أو محاسبة من فيها، بل أحياناً تكون تلك النساء بنات لمسؤولين أو قادة في الحرس الثوري، ما يمنحهن حصانة غير معلنة.
بالمقابل، لا تزال النساء من الطبقة المتوسطة أو الفقيرة يواجهن تضييقاً أكبر، ويُفرض عليهن الالتزام داخل المؤسسات الحكومية، كالمحاكم والمستشفيات والجامعات والمكتبات. في هذه الأماكن، الحجاب ليس خياراً بل شرط للحصول على الحقوق والخدمات.
وهكذا، يظهر تناقض صارخ: نفس القانون، لكن تطبيقه يختلف حسب الطبقة، والنفوذ، والمكان.
هل بدأ النظام يقتنع أن القانون غير منطقي؟
الواقع يُشير إلى أن الحجاب لم يعد مسألة دينية فقط، بل أصبح محكّاً اجتماعياً، سياسياً، وطبقياً. فبينما تُجبَر بعض النساء على ارتدائه وتُحرمن من وظائفهن إذا خالفن، تُترك أخريات يفعلن ما يشأن دون محاسبة، في مشهد يعكس ازدواجية ونفاقاً في تطبيق القانون.
والتناقض لا يقف عند حدود إيران، فكما تُقمع النساء بسبب خلع الحجاب هناك، تُقمع أخريات لارتدائه في دول غربية. الفكرة الجوهرية ليست الحجاب ذاته، بل حق المرأة في أن تختار ما ترتديه وما تفعله بجسدها، دون وصاية من أحد.
الحديث عن إلغاء الحجاب الإلزامي في إيران لا يزال في إطار التكهّنات، رغم تصريحات بعض المسؤولين. القانون ما زال قائماً، والتطبيق لا يزال ممكناً، لكنه يختلف بحسب الطبقة والمكان.
في الوقت ذاته، تتغيّر إيران من الداخل. النساء، وخاصة الأجيال الشابة، لا ينتظرن إذناً ليمارسن حريتهن، والتغيير يبدو أقرب إلى كونه واقعاً اجتماعياً يفرض نفسه، أكثر من كونه قراراً سياسياً مفروضاً من الأعلى.
هل يكون الحجاب في المستقبل خياراً لا فريضة؟
هذا سؤال قد تُجيب عنه الأيام المقبلة، لكنه بدأ فعلاً يُطرح بصوتٍ عالٍ في شوارع طهران.